معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ صحابي ابن صحابي رغم أنف حزب التحرير !!! الشيخ علي بن محمد أبو هنية أضيف بتاريخ : 02 / 11 / 2009
معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ صحابي ابن صحابي رغم أنف حزب التحرير !!!
إعداد: علي بن محمد أبو هنية
قلت: سبحان الله! متى أسلم معاوية؟
قال: لا أدري.
قلت: أنا أقول لك: أسلم عام الفتح على أصح القولين, والقول الآخر أنه أسلم عام القضية وأخفى إسلامه, حتى أعلنه في فتح مكة.
فقلت: ومتى كان فتح مكة؟
قال: لا أدري.
قلت: كان في السنة الثامنة للهجرة النبوية.
فقلت: ومتى توفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟
قال: لا أدري.
قلت: في أول السنة الحادية عشرة للهجرة.
فقلت: اتقوا الله في أنفسكم, إن تظنون إلا ظناً وما أنتم بمستيقنين.
فعلى تعريفكم هذا ـ إن صح ـ الذي تعتمدونه في تعريف الصحابي, فإن معاوية يكون صحابياً.
فقال: كيف؟
قلت: أولاً: بين إسلام معاوية ـ رضي الله عنه ـ وهو عام فتح مكة ـ وموت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قرابة الثلاثة أعوام, وليس عاماً أوعامين فقط كما تطلبون. ومعاوية ـ رضي الله عنه ـ كان كاتباً للوحي في هذا الوقت, أي يلزم من ذلك ملازمته للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ثانياً: ألم تكن غزوة حنين, وغزو الطائف, وغزوة تبوك بعد فتح مكة؟ فهذه ثلاث غزوات شهدها معاوية ـ رضي الله عنه ـ.
فإن قلت: أين الدليل على أنه شهد تلك الغزوات؟ أقول لك: وأين الدليل على أنه لم يشهدها طالما ثبت إسلامه قبلها؟
فلمَ اخترتم له الجانب الأنقص والأقل والأدنى في حقه, ولم تختاروا له الجانب الأعلى والأشرف والأكمل, وليس عندكم سوى الخرص والظن, إضافة إلى مخالفتكم لما هو مستفيض ومتواتر عند علماء أهل السنة والجماعة في كونه صحابياً؟
قال: ولكن له مناقب وفضائل كثيرة, ونحن لا ننتقصه.
قلت: سبحان الله!! وأي انتقاص أعظم من نفيكم عنه الصحبة؟!
فبهت الذي تحزب كالفاقد صواباً, وبهت الذي تعصب ولم يُحْرِ جواباً.
حقيقة مؤلمة:
أقول: تلكم الفرية أوردها النبهاني في كتبه, ولعله تلقفها من المعتزلة الذين بنى حزبه على عقيدتهم, وأسسه على أفكارهم, ثم صار أتباعه يرددونها دون علم ولا حلم, وقد صدق شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ حين سماهم (أفراخ المعتزلة), فكأن تعريفهم هذا للصحابي يخرج من مشكاة المعتزلة.
يقول الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: "وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل علياً؛ قولٌ باطلٌ مرذول ومردود". "الباعث الحثيث"(2/499)
وسبب نفي الصحبة عن معاوية ـ رضي الله عنه ـ معروف بطبيعة الحال, وهو أن الصحابة كلهم عدول لا يجوز الطعن فيهم ولا جرحهم, وإخراج معاوية من دائرة الصحبة يعني إدخاله في دائرة الجرح والتعديل, فيهنأ لهم الطعن فيه ـ رضي الله عنه ـ, حتى إذا أُنكر عليهم, قالوا: نحن لم نطعن في صحابي, ولم نجرح في مُعَدَّل.
وكما قرأتم ليس عندهم أدنى علم في هذه المسائل العظيمة, إنما هم يهرفون بما لا يعرفون, ورضوا بأن يكونوا مجرد أبواق لكذبات وافتراءات غيرهم, دون النظر والتأمل في عواقب كلامهم.
وبعد ذلك تنادون يا حزب التحرير بالحكم بما أنزل الله!
فوالله ما حكمتم بما أنزل الله في حق أنفسكم, ولا في حق هذا الصحابي الجليل ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ.
وشهد شاهد من أهلها:
وما ذكرته آنفاً من أن حزب التحرير نفوا الصحبة عن معاوية من أجل جرحه والطعن فيه حقيقة ثابتة, انظر ماذا يقول محمد الشويكي ـ التحريري سابقاً ـ في كتابه"الصواعق الهاوية"ص37: "ثم إن نفيهم ـ أي حزب التحرير ـ لصحبة معاوية جعلهم يتطاولون عليه ويجرحونه, فقد جاء في كتاب "نظام الحكم في الإسلام" وهو من منشورات حزب التحرير الطبعة الثانية 1374هـ ـ 1953م والثالثة 1410هـ ـ 1990م والطبعة الرابعة 1417هـ ـ 1996م والطبعة السادسة وأظنها الخامسة لكنهم أخطأوا ربما في الطباعة وهي مؤرخة 1422هـ ـ 2002م وكل هذه الطبعات ذكرت معاوية وتهجمت عليه منذ خمسين عاماً, وذلك في باب (ولاية العهد من الكتاب المذكور), فقالوا عنه: إنه ابتدع منكراً, وإنه يحتال على النصوص الشرعية, وإنه يتعمد مخالفة الإسلام, وإنه لا يتقيد بالإسلام, وإن طريقة اجتهاده على أساس المنفعة لا على أساس الإسلام.
وفي كتاب يسمونه: "الكراسة" أو "إزالة الأتربة" يتهمون معاوية بالإجرام والكذب, وذلك في باب "مغتصب السلطة".اهـ
قلت: سبحان الله! ما أشبه اليوم بالبارحة, ما أشبه طعنهم هذا بما يقوله الخوارج والشيعة والمعتزلة والجهمية في حق الصحب الكرام رضوان الله عليهم.
حزب التحرير يقول:
جاء في ما يسمى بـ(الملف الفكري) ( ص148)لحزب التحرير ما نصه: " الصحابي وكل من تتحقق فيه معنى الصحبة, وفُسِّر بأنه إذا صحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنة أو سنتين, وغزا معه غزوة أو غزوتين, ومعاوية أسلم وعمره 13 سنة, ولم يرد أنه ذهب إلى المدينة وسكن فيها في حياة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحَبَه, والرسول مكث في مكة مدة قصيرة لا تتحقق فيها معنى الصحبة, وعليه فمعاوية ليس صحابياً ".اهـ
وقال النبهاني في كتاب "الشخصية الإسلامية"(1/43): "ومثلاً قد يقال: معاوية بن أبي سفيان رأى الرسول واجتمع به, وكل من رأى الرسول واجتمع به فهو صحابي, فالنتيجة أن معاوية بن أبي سفيان صحابي, وهذه النتيجة خطأ, فليس كل من رأى الرسول واجتمع به صحابي, وإلا لكان أبو لهب صحابياً".اهـ
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق:
والرد على هذه الترهات والمغالطات من عدة وجوه:
1ـ أن هذا التعريف للصحابي مخالف لتعريف جماهير المحققين من أهل العلم:
* قال النووي ـ رحمه الله ـ: " فأما الصحابي فكل مسلم رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو لحظة. هذا هو الصحيح في حده وهو مذهب أحمد بن حنبل وأبي عبد الله البخاري في صحيحه والمحدثين كافة ". "شرح مسلم"(1/35)
وقال ـ رحمه الله ـ: " إن الصحيح الذي عليه الجمهور, أن كل مسلم رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو ساعة فهو من أصحابه ". "شرح مسلم"(16/85)
* وقال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: " الصحابي: من رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حال إسلام الرائي, وإن لم تطل صحبته له, وإن لم يروِ عنه شيئاً.
هذا قول جمهور العلماء, خلفاً وسلفاً ". "الباعث الحثيث"(2/491)
* وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: " أصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مؤمناً به ومات على الإسلام, فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت, ومن روى عنه أو لم يروِ, ومن غزا معه أو لم يغزُ, ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه, ومن لم يره لعارض كالعمى,....ثم قال: وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين, كالبخاري, وشيخه أحمد بن حنبل, ومن تبعهما, ووراء ذلك أقوال أخرى شاذة ". "الإصابة في تمييز الصحابة"(1/7)
2ـ قرر أهل العلم أن الصحابي يُعرف بعدة أمور, ليس فيها ولا منها من قريب ولا من بعيد شهادة حزب التحرير له بأنه صحابي.
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: " وتعرف صحبة الصحابة تارة بالتواتر, وتارة بأخبار مستفيضة, وتارةً بشهادة غيره من الصحابة له, وتارةً بروايته عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سماعاً أو مشاهدةً مع المعاصرة ". " الباعث الحثيث"(2/491)
قلت: وكل ذلك متحقق في معاوية ـ رضي الله عنه ـ, فقد عرفت صحبته بالتواتر والاستفاضة, وتلقي الأمة ذلك جيلاً عن جيل, وشهد له غيره من الصحابة بالفضل وعلو المنزلة, وروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكثير من الأحاديث سماعاً ومشاهدةً. فلا يضره ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ عدم شهادة حزب التحرير له بالصحبة, فإن شهادة حزب التحرير ليست من الأمور التي تعرف بها الصحبة! كما عند المحققين من أهل العلم! ولو كانت تشترط لذكرها الحافظ ابن كثير وغيره.
3ـ على فرض صحة الأثر الذي ينقلونه عن ابن المسيب ـ رحمه الله ـ فإنه لا حجة فيه لنفي الصحبة عن معاوية, بل هو حجة في إثبات صحبته, كما تقدم في بداية الكلام, في أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غزا غزوتين بعد فتح مكة, بل هي ثلاثة: حنين, والطائف, وتبوك؛ فلا يستبعد كون معاوية قد شهدها, وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد عاش بعد الفتح أكثر من سنتين, فلا يستبعد أيضاً ملازمة معاوية له هذه المدة خاصة وأنه من كُتَّاب الوحي.
4ـ هذا الأثر عن سعيد بن المسيب لا يصح سنداً ولا متناً, وإليكم كلام أهل العلم في ذلك:
* قال النووي ـ رحمه الله ـ في "التقريب": " وعن سعيد بن المسيب أنه لا يعد صحابياً إلا من أقام مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنة أو سنتين, أو غزا معه غزوة أو غزوتين, فإن صحَّ عنه فضعيفٌ, فإن مقتضاه أن لا يُعَدَّ جرير البجليُّ وشِبهُه صحابياً, ولا خلاف أنهم صحابة".
قلت: قول النووي: " فإن صحَّ عنه فضعيفٌ " أي إن صح سنداً فلا يصح متناً, لأنه مخالف لما عليه جماهير أهل العلم, ويترتب عليه أمور لا يقول بها حتى من يتبنى هذا التعريف.
قال الحافظ السيوطي ـ رحمه الله ـ شارحاً: " ( فإن صح ) هذا القول ( عنه فضعيف فإن مقتضاه أن لا يعد جرير ) بن عبد الله ( البجلي وشبهه ) ممن فقد ما اشترطه كوائل بن حُجر ( صحابياً ولا خلاف أنهم صحابة ).
قال العراقي: ولا يصح هذا عن ابن المسيب, ففي الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي ضعيف في الحديث ". "تدريب الراوي"ص376
* قال ابن الصلاح ـ رحمه الله ـ: " وقد روينا عن سعيد بن المسيب: أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين. وكأن المراد بهذا ـ إن صح عنه ـ راجع إلى المحكي عن الأصوليين. ولكن في عبارته ضيق يوجب ألا يُعَدَّ في الصحابة جرير بن عبد الله البجلي, ومن شاركه في فَقْد ظاهر ما اشترطه فيهم, ممن لا يُعرف خلافٌ في عده من الصحابة ". " مقدمة ابن الصلاح"(1/171)
* قال الحافظ العلائي ـ رحمه الله ـ معقباً على كلام ابن الصلاح: " قلت: مثل وائل بن حجر، ومعاوية بن الحكم السلمي، وخلق كثير ممن أسلم سنة تسع وبعدها، وقدم عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فأقام عنده أياماً، ثم رجع إلى قومه، وروى عنه أحاديث.
اللهم إلا أن يُؤوَّل كلامُ سعيد بن المسيِّب على من يعطى كمال الصحبة المقتضي للعدالة، على ما اختاره الإمام المازري ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ من قوله: "إن العدالة المطلقة إنما يحكم بها لأمثال هؤلاء"، وهو قول مرجوح أيضاً كما سنبينه إن شاء الله تعالى". "تحقيق منيف الرتبة" ص38
* قال الحافظ السخاوي ـ رحمه الله ـ: " وهو ظاهر في توقفه ـ أي ابن الصلاح ـ في صحته عن سعيد, وهو كذلك, فقد أخرجه ابن سعد عن الواقدي وهو ضعيف في الحديث.
وحكى ابن سعد عنه ـ أي الواقدي ـ أيضاً أنه قال: رأيت أهل العلم يقولون غير ذلك, ويذكرون جرير بن عبد الله وإسلامه قبل وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخمسة أشهر أو نحوها". "فتح المغيث"(3/102)
قلت: وإليك كلام أئمة الجرح والتعديل في الواقدي:
قال الذهبي ـ رحمه الله ـ في "السير"(9/454ـ462): " أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه.
ثم قال: وذكره البخاري, فقال: سكتوا عنه, تركه أحمد وابن نُمير.
وقال مسلمٌ وغيره: متروك الحديث.
وقال النسائي: ليس بثقة.
ثم قال الذهبي: وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: كتب الواقدي كذب.
وعن ابن معين قال: ليس الواقدي بشيء, وقال مرة: لا يكتب حديثه.
وقال الدولابي: حدثنا معاوية بن صالح, قال لي أحمد بن حنبل: الواقدي كذاب". اهـ
* قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ: " وفصل الخطاب في هذا الباب بأن الصحبة إذا أطلقت فهي في المتعارف تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن يكون الصاحب معاشراً مخالصاً كثير الصحبة, فيقال: هذا صاحب فلان, كما يقال: خادمه, لمن تكررت خدمته, لا لمن خدمه يوماً أو ساعةً.
والثاني: أن يكون صاحباً في مجالسة أو مماشاة ولو ساعة, فحقيقة الصحبة موجودة في حقه وإن لم يشتهر بها.
فسعيد بن المسيب إنما عنى القسم الأول, وغيره يريد هذا القسم الثاني.
وعموم العلماء على خلاف قول ابن المسيب, فإنهم عدوا جرير بن عبد الله من الصحابة, وإنما أسلم في سنة عشر, وعدوا في الصحابة من لم يغزُ معه, ومن توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو صغير السن.
فأما من رآه ولم يجالسه ولم يماشه فألحقوه بالصحابة إلحاقاً, وإن كانت حقيقة الصحبة لم توجد في حقه". "تلقيح مفهوم أهل الأثر"ص101
قلت: وقد علمت مسبقاً أن الأثر لا يصح أصلاً, ولكن هذا التفصيل تمشياً مع القوم على فرض صحته.
حَيْرة:
عجباً لهؤلاء الحزبيين, أهم من أهل السنة حقاً! كيف يحملون في قلوبهم على هذا الصحابي, ويجلبون بخيلهم ورجلهم لنفي الصحبة عنه, متبنين الأقوال الضعيفة, تاركين الأقوال المسندة الصحيحة التي عليها جماهير أهل العلم والفضل من السلف الصالح, فقط من أجل تمشية قول رمزهم ومؤسس حزبهم (النبهاني) وعدم تخطئته, تالله إنها لعين العصبية الجاهلية التي قال فيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "دعوها فإنها نتنة". ويلهم أما علموا أن الشيعة الذين لم يسلم منهم أحد من الصحابة إلا وسبوه, قد اثبتوا صحبة معاوية, فالشيعة حتى مع سبهم له يثبتون صحبته, ويزعمون أنه قد نزل في حقه آيات من القرآن في الوعيد, وأما حزب التحرير ـ من أهل السنة زعموا ـ ينفون صحبته!!!!! سبحانك هذا بهتان عظيم.
شيء من فضائل معاوية ـ رضي الله عنه ـ:
1. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " اللهم اجعله هادياً مهدياً واهده واهد به . يعني معاوية ". أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة/1969)
2. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب ". أخرجه أحمد وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة/ 3227)
3. عن أم حرام قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا". قالت أم حرام: قلت يا رسول الله! أنا فيهم؟ قال: " أنت فيهم". ثم قال النبي: " أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ". فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: " لا ". أخرجه البخاري (2924)
قال المهلب: " في الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر ".
وقال الحافظ: " وقوله "قد أوجبوا " أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة ". (من سب الصحابة ومعاوية فأمه هاوية)ص143
* قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: " قال ابن وهب عن مالك عن الزهري قال: سألت سعيد بن المسيب عن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ, فقال لي: اسمع يا زهري, من مات محباً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وشهد للعشرة بالجنة وترحم على معاوية كان حقاً على الله أن لا يناقشه الحساب. وقال سعيد بن يعقوب الطالقاني: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: تراب في أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز. وقال محمد بن يحيى بن سعيد: سئل ابن المبارك عن معاوية, فقال: ما أقول في رجل قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: سمع الله لمن حمده, فقال خلفه: ربنا ولك الحمد. فقيل له: أيهما أفضل هو أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال لتراب في منخري معاوية مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز. وقال غيره: عن ابن المبارك قال: معاوية عندنا محنة, فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم ـ يعني الصحابة ـ. وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وغيره: سئل المعافى بن عمران: أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فغضب, وقال للسائل: أتجعل رجلاً من الصحابة مثل رجل من التابعين؛ معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله, وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: دعوا لي أصحابي وأصهاري فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وكذا قال الفضل بن عتيبة, وقال أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي: معاوية ستر لأصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه. وقال الميموني: قال لي أحمد بن حنبل: يا أبا الحسن إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام. وقال الفضل ابن زياد: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي؟ فقال إنه لم يجترىء عليهما إلا وله خبيئة سوء. ما انتقص أحدٌ احداً من الصحابة إلا وله داخلة سوء. وقال ابن مبارك عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال: ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانا قط إلا إنساناً شتم معاوية فإنه ضربه أسواطاً. وقال بعض السلف: بينما أنا على جبل الشام إذ سمعت هاتفاً يقول: من أبغض الصديق فذاك زنديق, ومن أبغض عمرَ فإلى جهنم زمرا, ومن أبغض عثمان فذاك خصمه الرحمن, ومن أبغض علي فذاك خصمه النبي, ومن أبغض معاوية سحبته الزبانية, إلى جهنم الحامية, يرمى به في الحامية الهاوية. وقال بعضهم: رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعنده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية إذ جاء رجل فقال عمر: يا رسول الله! هذا يتنقصنا. فكأنه انتهره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ, فقال: يا رسول الله إني لا أتنقص هؤلاء, ولكن هذا ـ يعني معاوية ـ فقال: ويلك, أوليس هو من أصحابي؟ قالها ثلاثاً ثم أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حربة فناولها معاوية, فقال: جابها في لبته. فضربه بها. وانتبهت فبكرت إلى منزلي, فإذا ذلك الرجل قد أصابته الذبحة من الليل ومات, وهو راشد الكندي. وروى ابن عساكر عن الفضيل بن عياض أنه كان يقول معاوية من الصحابة من العلماء الكبار ولكن ابتلي بحب الدنيا ".اهـ "البداية والنهاية"(8/139ـ140)
شهادة مقبولة, وشهادة مردودة:
وقد شهد له وعدَّه من الصحابة جم غفير من أهل العلم, في مصنفاتهم التي عنيت بالتراجم, والتي لم تعنى بالتراجم ولم يذكروه إلا بخير مثل:
ابن عبد البر في: " الاستيعاب في معرفة الأصحاب", وابن الأثير في: " أسد الغابة في معرفة الصحابة ", وابن حجر العسقلاني في: " الإصابة في تمييز الصحابة ", والذهبي في: " سير أعلام النبلاء ", وابن سعد في: " الطبقات الكبرى", وخليفة بن خياط في: " الطبقات ", والمزي في: " تهذيب الكمال ", وابن عساكر في: " تاريخ دمشق ", والخطيب البغدادي في: " تاريخ بغداد ", وأبو نعيم في: " معرفة الصحابة ". وغيرهم من العلماء مثل: البخاري, والطبري, وابن قتيبة, وابن الجوزي, وابن أبي حاتم, وابن حبان, وشيخ الإسلام, وابن كثير, وابن العماد, والسيوطي, وغيرهم.
وقال الحافظ العلائي ـ رحمه الله ـ : "وكذلك روى أيضاً عن معاوية جريرُ بن عبد الله البجلي، وأبو سعيد الخدري, وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، ومعاوية بن خَديج، والسائب بن يزيد، وجماعة غيرهم من الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ. وكل ذلك بعدما وقع منه من قتال علي ـ رضي الله عنه ـ. واتفق أئمة التابعين من بعدهم على الرواية عنه، وقبول ما رواه هو وعمرو بن العاص. وكل من قام معهما في الفتنة. فكان ذلك إجماعاً سابقاً على قول من قدح فيهم، حتى إن جعفر بن محمد بن علي روى عن القاسم بن محمد عن معاوية حديثاً. وقال محمد بن سيرين: كان معاوية رضي الله عنه لا يتهم في الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ".اهـ "تحقيق منيف الرتبة"ص105
ثم بعد ذلك يأتينا بعض المتهوكين, من جهلة الحزبيين, وبقلب مر مريض, ينكر هذا الأمر المستفيض, ويردُّ بجهالة جهلاء ما قرره الأئمة الأجلاء, ويأتي غير لازم لِحَدِّه, بقول تغني حكايته عن رده, ولو أنصف نفسه وأراد لها الخير, للزم جانب السلامة في هذا الأمر.
فهؤلاء أئمتنا وعلماؤنا من الصحابة ومن بعدهم يشهدون لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ بأنه صحابي, فلا تلزمنا شهادة حزب التحرير, إثباتاً ولا نفياً.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد
بقلم:
علي بن محمد أبو هنية
الاثنين6/4/1428هـ
الموافق 23/4/2007م
معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ صحابي ابن صحابي رغم أنف حزب التحرير !!!
إعداد: علي بن محمد أبو هنية
قلت: سبحان الله! متى أسلم معاوية؟
قال: لا أدري.
قلت: أنا أقول لك: أسلم عام الفتح على أصح القولين, والقول الآخر أنه أسلم عام القضية وأخفى إسلامه, حتى أعلنه في فتح مكة.
فقلت: ومتى كان فتح مكة؟
قال: لا أدري.
قلت: كان في السنة الثامنة للهجرة النبوية.
فقلت: ومتى توفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟
قال: لا أدري.
قلت: في أول السنة الحادية عشرة للهجرة.
فقلت: اتقوا الله في أنفسكم, إن تظنون إلا ظناً وما أنتم بمستيقنين.
فعلى تعريفكم هذا ـ إن صح ـ الذي تعتمدونه في تعريف الصحابي, فإن معاوية يكون صحابياً.
فقال: كيف؟
قلت: أولاً: بين إسلام معاوية ـ رضي الله عنه ـ وهو عام فتح مكة ـ وموت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قرابة الثلاثة أعوام, وليس عاماً أوعامين فقط كما تطلبون. ومعاوية ـ رضي الله عنه ـ كان كاتباً للوحي في هذا الوقت, أي يلزم من ذلك ملازمته للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ثانياً: ألم تكن غزوة حنين, وغزو الطائف, وغزوة تبوك بعد فتح مكة؟ فهذه ثلاث غزوات شهدها معاوية ـ رضي الله عنه ـ.
فإن قلت: أين الدليل على أنه شهد تلك الغزوات؟ أقول لك: وأين الدليل على أنه لم يشهدها طالما ثبت إسلامه قبلها؟
فلمَ اخترتم له الجانب الأنقص والأقل والأدنى في حقه, ولم تختاروا له الجانب الأعلى والأشرف والأكمل, وليس عندكم سوى الخرص والظن, إضافة إلى مخالفتكم لما هو مستفيض ومتواتر عند علماء أهل السنة والجماعة في كونه صحابياً؟
قال: ولكن له مناقب وفضائل كثيرة, ونحن لا ننتقصه.
قلت: سبحان الله!! وأي انتقاص أعظم من نفيكم عنه الصحبة؟!
فبهت الذي تحزب كالفاقد صواباً, وبهت الذي تعصب ولم يُحْرِ جواباً.
حقيقة مؤلمة:
أقول: تلكم الفرية أوردها النبهاني في كتبه, ولعله تلقفها من المعتزلة الذين بنى حزبه على عقيدتهم, وأسسه على أفكارهم, ثم صار أتباعه يرددونها دون علم ولا حلم, وقد صدق شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ حين سماهم (أفراخ المعتزلة), فكأن تعريفهم هذا للصحابي يخرج من مشكاة المعتزلة.
يقول الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: "وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل علياً؛ قولٌ باطلٌ مرذول ومردود". "الباعث الحثيث"(2/499)
وسبب نفي الصحبة عن معاوية ـ رضي الله عنه ـ معروف بطبيعة الحال, وهو أن الصحابة كلهم عدول لا يجوز الطعن فيهم ولا جرحهم, وإخراج معاوية من دائرة الصحبة يعني إدخاله في دائرة الجرح والتعديل, فيهنأ لهم الطعن فيه ـ رضي الله عنه ـ, حتى إذا أُنكر عليهم, قالوا: نحن لم نطعن في صحابي, ولم نجرح في مُعَدَّل.
وكما قرأتم ليس عندهم أدنى علم في هذه المسائل العظيمة, إنما هم يهرفون بما لا يعرفون, ورضوا بأن يكونوا مجرد أبواق لكذبات وافتراءات غيرهم, دون النظر والتأمل في عواقب كلامهم.
وبعد ذلك تنادون يا حزب التحرير بالحكم بما أنزل الله!
فوالله ما حكمتم بما أنزل الله في حق أنفسكم, ولا في حق هذا الصحابي الجليل ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ.
وشهد شاهد من أهلها:
وما ذكرته آنفاً من أن حزب التحرير نفوا الصحبة عن معاوية من أجل جرحه والطعن فيه حقيقة ثابتة, انظر ماذا يقول محمد الشويكي ـ التحريري سابقاً ـ في كتابه"الصواعق الهاوية"ص37: "ثم إن نفيهم ـ أي حزب التحرير ـ لصحبة معاوية جعلهم يتطاولون عليه ويجرحونه, فقد جاء في كتاب "نظام الحكم في الإسلام" وهو من منشورات حزب التحرير الطبعة الثانية 1374هـ ـ 1953م والثالثة 1410هـ ـ 1990م والطبعة الرابعة 1417هـ ـ 1996م والطبعة السادسة وأظنها الخامسة لكنهم أخطأوا ربما في الطباعة وهي مؤرخة 1422هـ ـ 2002م وكل هذه الطبعات ذكرت معاوية وتهجمت عليه منذ خمسين عاماً, وذلك في باب (ولاية العهد من الكتاب المذكور), فقالوا عنه: إنه ابتدع منكراً, وإنه يحتال على النصوص الشرعية, وإنه يتعمد مخالفة الإسلام, وإنه لا يتقيد بالإسلام, وإن طريقة اجتهاده على أساس المنفعة لا على أساس الإسلام.
وفي كتاب يسمونه: "الكراسة" أو "إزالة الأتربة" يتهمون معاوية بالإجرام والكذب, وذلك في باب "مغتصب السلطة".اهـ
قلت: سبحان الله! ما أشبه اليوم بالبارحة, ما أشبه طعنهم هذا بما يقوله الخوارج والشيعة والمعتزلة والجهمية في حق الصحب الكرام رضوان الله عليهم.
حزب التحرير يقول:
جاء في ما يسمى بـ(الملف الفكري) ( ص148)لحزب التحرير ما نصه: " الصحابي وكل من تتحقق فيه معنى الصحبة, وفُسِّر بأنه إذا صحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنة أو سنتين, وغزا معه غزوة أو غزوتين, ومعاوية أسلم وعمره 13 سنة, ولم يرد أنه ذهب إلى المدينة وسكن فيها في حياة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحَبَه, والرسول مكث في مكة مدة قصيرة لا تتحقق فيها معنى الصحبة, وعليه فمعاوية ليس صحابياً ".اهـ
وقال النبهاني في كتاب "الشخصية الإسلامية"(1/43): "ومثلاً قد يقال: معاوية بن أبي سفيان رأى الرسول واجتمع به, وكل من رأى الرسول واجتمع به فهو صحابي, فالنتيجة أن معاوية بن أبي سفيان صحابي, وهذه النتيجة خطأ, فليس كل من رأى الرسول واجتمع به صحابي, وإلا لكان أبو لهب صحابياً".اهـ
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق:
والرد على هذه الترهات والمغالطات من عدة وجوه:
1ـ أن هذا التعريف للصحابي مخالف لتعريف جماهير المحققين من أهل العلم:
* قال النووي ـ رحمه الله ـ: " فأما الصحابي فكل مسلم رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو لحظة. هذا هو الصحيح في حده وهو مذهب أحمد بن حنبل وأبي عبد الله البخاري في صحيحه والمحدثين كافة ". "شرح مسلم"(1/35)
وقال ـ رحمه الله ـ: " إن الصحيح الذي عليه الجمهور, أن كل مسلم رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو ساعة فهو من أصحابه ". "شرح مسلم"(16/85)
* وقال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: " الصحابي: من رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حال إسلام الرائي, وإن لم تطل صحبته له, وإن لم يروِ عنه شيئاً.
هذا قول جمهور العلماء, خلفاً وسلفاً ". "الباعث الحثيث"(2/491)
* وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: " أصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مؤمناً به ومات على الإسلام, فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت, ومن روى عنه أو لم يروِ, ومن غزا معه أو لم يغزُ, ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه, ومن لم يره لعارض كالعمى,....ثم قال: وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين, كالبخاري, وشيخه أحمد بن حنبل, ومن تبعهما, ووراء ذلك أقوال أخرى شاذة ". "الإصابة في تمييز الصحابة"(1/7)
2ـ قرر أهل العلم أن الصحابي يُعرف بعدة أمور, ليس فيها ولا منها من قريب ولا من بعيد شهادة حزب التحرير له بأنه صحابي.
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: " وتعرف صحبة الصحابة تارة بالتواتر, وتارة بأخبار مستفيضة, وتارةً بشهادة غيره من الصحابة له, وتارةً بروايته عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سماعاً أو مشاهدةً مع المعاصرة ". " الباعث الحثيث"(2/491)
قلت: وكل ذلك متحقق في معاوية ـ رضي الله عنه ـ, فقد عرفت صحبته بالتواتر والاستفاضة, وتلقي الأمة ذلك جيلاً عن جيل, وشهد له غيره من الصحابة بالفضل وعلو المنزلة, وروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكثير من الأحاديث سماعاً ومشاهدةً. فلا يضره ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ عدم شهادة حزب التحرير له بالصحبة, فإن شهادة حزب التحرير ليست من الأمور التي تعرف بها الصحبة! كما عند المحققين من أهل العلم! ولو كانت تشترط لذكرها الحافظ ابن كثير وغيره.
3ـ على فرض صحة الأثر الذي ينقلونه عن ابن المسيب ـ رحمه الله ـ فإنه لا حجة فيه لنفي الصحبة عن معاوية, بل هو حجة في إثبات صحبته, كما تقدم في بداية الكلام, في أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غزا غزوتين بعد فتح مكة, بل هي ثلاثة: حنين, والطائف, وتبوك؛ فلا يستبعد كون معاوية قد شهدها, وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد عاش بعد الفتح أكثر من سنتين, فلا يستبعد أيضاً ملازمة معاوية له هذه المدة خاصة وأنه من كُتَّاب الوحي.
4ـ هذا الأثر عن سعيد بن المسيب لا يصح سنداً ولا متناً, وإليكم كلام أهل العلم في ذلك:
* قال النووي ـ رحمه الله ـ في "التقريب": " وعن سعيد بن المسيب أنه لا يعد صحابياً إلا من أقام مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنة أو سنتين, أو غزا معه غزوة أو غزوتين, فإن صحَّ عنه فضعيفٌ, فإن مقتضاه أن لا يُعَدَّ جرير البجليُّ وشِبهُه صحابياً, ولا خلاف أنهم صحابة".
قلت: قول النووي: " فإن صحَّ عنه فضعيفٌ " أي إن صح سنداً فلا يصح متناً, لأنه مخالف لما عليه جماهير أهل العلم, ويترتب عليه أمور لا يقول بها حتى من يتبنى هذا التعريف.
قال الحافظ السيوطي ـ رحمه الله ـ شارحاً: " ( فإن صح ) هذا القول ( عنه فضعيف فإن مقتضاه أن لا يعد جرير ) بن عبد الله ( البجلي وشبهه ) ممن فقد ما اشترطه كوائل بن حُجر ( صحابياً ولا خلاف أنهم صحابة ).
قال العراقي: ولا يصح هذا عن ابن المسيب, ففي الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي ضعيف في الحديث ". "تدريب الراوي"ص376
* قال ابن الصلاح ـ رحمه الله ـ: " وقد روينا عن سعيد بن المسيب: أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين. وكأن المراد بهذا ـ إن صح عنه ـ راجع إلى المحكي عن الأصوليين. ولكن في عبارته ضيق يوجب ألا يُعَدَّ في الصحابة جرير بن عبد الله البجلي, ومن شاركه في فَقْد ظاهر ما اشترطه فيهم, ممن لا يُعرف خلافٌ في عده من الصحابة ". " مقدمة ابن الصلاح"(1/171)
* قال الحافظ العلائي ـ رحمه الله ـ معقباً على كلام ابن الصلاح: " قلت: مثل وائل بن حجر، ومعاوية بن الحكم السلمي، وخلق كثير ممن أسلم سنة تسع وبعدها، وقدم عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فأقام عنده أياماً، ثم رجع إلى قومه، وروى عنه أحاديث.
اللهم إلا أن يُؤوَّل كلامُ سعيد بن المسيِّب على من يعطى كمال الصحبة المقتضي للعدالة، على ما اختاره الإمام المازري ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ من قوله: "إن العدالة المطلقة إنما يحكم بها لأمثال هؤلاء"، وهو قول مرجوح أيضاً كما سنبينه إن شاء الله تعالى". "تحقيق منيف الرتبة" ص38
* قال الحافظ السخاوي ـ رحمه الله ـ: " وهو ظاهر في توقفه ـ أي ابن الصلاح ـ في صحته عن سعيد, وهو كذلك, فقد أخرجه ابن سعد عن الواقدي وهو ضعيف في الحديث.
وحكى ابن سعد عنه ـ أي الواقدي ـ أيضاً أنه قال: رأيت أهل العلم يقولون غير ذلك, ويذكرون جرير بن عبد الله وإسلامه قبل وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخمسة أشهر أو نحوها". "فتح المغيث"(3/102)
قلت: وإليك كلام أئمة الجرح والتعديل في الواقدي:
قال الذهبي ـ رحمه الله ـ في "السير"(9/454ـ462): " أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه.
ثم قال: وذكره البخاري, فقال: سكتوا عنه, تركه أحمد وابن نُمير.
وقال مسلمٌ وغيره: متروك الحديث.
وقال النسائي: ليس بثقة.
ثم قال الذهبي: وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: كتب الواقدي كذب.
وعن ابن معين قال: ليس الواقدي بشيء, وقال مرة: لا يكتب حديثه.
وقال الدولابي: حدثنا معاوية بن صالح, قال لي أحمد بن حنبل: الواقدي كذاب". اهـ
* قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ: " وفصل الخطاب في هذا الباب بأن الصحبة إذا أطلقت فهي في المتعارف تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن يكون الصاحب معاشراً مخالصاً كثير الصحبة, فيقال: هذا صاحب فلان, كما يقال: خادمه, لمن تكررت خدمته, لا لمن خدمه يوماً أو ساعةً.
والثاني: أن يكون صاحباً في مجالسة أو مماشاة ولو ساعة, فحقيقة الصحبة موجودة في حقه وإن لم يشتهر بها.
فسعيد بن المسيب إنما عنى القسم الأول, وغيره يريد هذا القسم الثاني.
وعموم العلماء على خلاف قول ابن المسيب, فإنهم عدوا جرير بن عبد الله من الصحابة, وإنما أسلم في سنة عشر, وعدوا في الصحابة من لم يغزُ معه, ومن توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو صغير السن.
فأما من رآه ولم يجالسه ولم يماشه فألحقوه بالصحابة إلحاقاً, وإن كانت حقيقة الصحبة لم توجد في حقه". "تلقيح مفهوم أهل الأثر"ص101
قلت: وقد علمت مسبقاً أن الأثر لا يصح أصلاً, ولكن هذا التفصيل تمشياً مع القوم على فرض صحته.
حَيْرة:
عجباً لهؤلاء الحزبيين, أهم من أهل السنة حقاً! كيف يحملون في قلوبهم على هذا الصحابي, ويجلبون بخيلهم ورجلهم لنفي الصحبة عنه, متبنين الأقوال الضعيفة, تاركين الأقوال المسندة الصحيحة التي عليها جماهير أهل العلم والفضل من السلف الصالح, فقط من أجل تمشية قول رمزهم ومؤسس حزبهم (النبهاني) وعدم تخطئته, تالله إنها لعين العصبية الجاهلية التي قال فيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "دعوها فإنها نتنة". ويلهم أما علموا أن الشيعة الذين لم يسلم منهم أحد من الصحابة إلا وسبوه, قد اثبتوا صحبة معاوية, فالشيعة حتى مع سبهم له يثبتون صحبته, ويزعمون أنه قد نزل في حقه آيات من القرآن في الوعيد, وأما حزب التحرير ـ من أهل السنة زعموا ـ ينفون صحبته!!!!! سبحانك هذا بهتان عظيم.
شيء من فضائل معاوية ـ رضي الله عنه ـ:
1. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " اللهم اجعله هادياً مهدياً واهده واهد به . يعني معاوية ". أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة/1969)
2. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب ". أخرجه أحمد وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة/ 3227)
3. عن أم حرام قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا". قالت أم حرام: قلت يا رسول الله! أنا فيهم؟ قال: " أنت فيهم". ثم قال النبي: " أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ". فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: " لا ". أخرجه البخاري (2924)
قال المهلب: " في الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر ".
وقال الحافظ: " وقوله "قد أوجبوا " أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة ". (من سب الصحابة ومعاوية فأمه هاوية)ص143
* قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: " قال ابن وهب عن مالك عن الزهري قال: سألت سعيد بن المسيب عن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ, فقال لي: اسمع يا زهري, من مات محباً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وشهد للعشرة بالجنة وترحم على معاوية كان حقاً على الله أن لا يناقشه الحساب. وقال سعيد بن يعقوب الطالقاني: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: تراب في أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز. وقال محمد بن يحيى بن سعيد: سئل ابن المبارك عن معاوية, فقال: ما أقول في رجل قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: سمع الله لمن حمده, فقال خلفه: ربنا ولك الحمد. فقيل له: أيهما أفضل هو أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال لتراب في منخري معاوية مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز. وقال غيره: عن ابن المبارك قال: معاوية عندنا محنة, فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم ـ يعني الصحابة ـ. وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وغيره: سئل المعافى بن عمران: أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فغضب, وقال للسائل: أتجعل رجلاً من الصحابة مثل رجل من التابعين؛ معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله, وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: دعوا لي أصحابي وأصهاري فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وكذا قال الفضل بن عتيبة, وقال أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي: معاوية ستر لأصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه. وقال الميموني: قال لي أحمد بن حنبل: يا أبا الحسن إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام. وقال الفضل ابن زياد: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي؟ فقال إنه لم يجترىء عليهما إلا وله خبيئة سوء. ما انتقص أحدٌ احداً من الصحابة إلا وله داخلة سوء. وقال ابن مبارك عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال: ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانا قط إلا إنساناً شتم معاوية فإنه ضربه أسواطاً. وقال بعض السلف: بينما أنا على جبل الشام إذ سمعت هاتفاً يقول: من أبغض الصديق فذاك زنديق, ومن أبغض عمرَ فإلى جهنم زمرا, ومن أبغض عثمان فذاك خصمه الرحمن, ومن أبغض علي فذاك خصمه النبي, ومن أبغض معاوية سحبته الزبانية, إلى جهنم الحامية, يرمى به في الحامية الهاوية. وقال بعضهم: رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعنده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية إذ جاء رجل فقال عمر: يا رسول الله! هذا يتنقصنا. فكأنه انتهره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ, فقال: يا رسول الله إني لا أتنقص هؤلاء, ولكن هذا ـ يعني معاوية ـ فقال: ويلك, أوليس هو من أصحابي؟ قالها ثلاثاً ثم أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حربة فناولها معاوية, فقال: جابها في لبته. فضربه بها. وانتبهت فبكرت إلى منزلي, فإذا ذلك الرجل قد أصابته الذبحة من الليل ومات, وهو راشد الكندي. وروى ابن عساكر عن الفضيل بن عياض أنه كان يقول معاوية من الصحابة من العلماء الكبار ولكن ابتلي بحب الدنيا ".اهـ "البداية والنهاية"(8/139ـ140)
شهادة مقبولة, وشهادة مردودة:
وقد شهد له وعدَّه من الصحابة جم غفير من أهل العلم, في مصنفاتهم التي عنيت بالتراجم, والتي لم تعنى بالتراجم ولم يذكروه إلا بخير مثل:
ابن عبد البر في: " الاستيعاب في معرفة الأصحاب", وابن الأثير في: " أسد الغابة في معرفة الصحابة ", وابن حجر العسقلاني في: " الإصابة في تمييز الصحابة ", والذهبي في: " سير أعلام النبلاء ", وابن سعد في: " الطبقات الكبرى", وخليفة بن خياط في: " الطبقات ", والمزي في: " تهذيب الكمال ", وابن عساكر في: " تاريخ دمشق ", والخطيب البغدادي في: " تاريخ بغداد ", وأبو نعيم في: " معرفة الصحابة ". وغيرهم من العلماء مثل: البخاري, والطبري, وابن قتيبة, وابن الجوزي, وابن أبي حاتم, وابن حبان, وشيخ الإسلام, وابن كثير, وابن العماد, والسيوطي, وغيرهم.
وقال الحافظ العلائي ـ رحمه الله ـ : "وكذلك روى أيضاً عن معاوية جريرُ بن عبد الله البجلي، وأبو سعيد الخدري, وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، ومعاوية بن خَديج، والسائب بن يزيد، وجماعة غيرهم من الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ. وكل ذلك بعدما وقع منه من قتال علي ـ رضي الله عنه ـ. واتفق أئمة التابعين من بعدهم على الرواية عنه، وقبول ما رواه هو وعمرو بن العاص. وكل من قام معهما في الفتنة. فكان ذلك إجماعاً سابقاً على قول من قدح فيهم، حتى إن جعفر بن محمد بن علي روى عن القاسم بن محمد عن معاوية حديثاً. وقال محمد بن سيرين: كان معاوية رضي الله عنه لا يتهم في الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ".اهـ "تحقيق منيف الرتبة"ص105
ثم بعد ذلك يأتينا بعض المتهوكين, من جهلة الحزبيين, وبقلب مر مريض, ينكر هذا الأمر المستفيض, ويردُّ بجهالة جهلاء ما قرره الأئمة الأجلاء, ويأتي غير لازم لِحَدِّه, بقول تغني حكايته عن رده, ولو أنصف نفسه وأراد لها الخير, للزم جانب السلامة في هذا الأمر.
فهؤلاء أئمتنا وعلماؤنا من الصحابة ومن بعدهم يشهدون لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ بأنه صحابي, فلا تلزمنا شهادة حزب التحرير, إثباتاً ولا نفياً.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد
بقلم:
علي بن محمد أبو هنية
الاثنين6/4/1428هـ
الموافق 23/4/2007م