صرخة أقوى من الرصاص
هتافات غاضبة تجلجل في سماء غزة استجابة لنداء الأقصى الجريح . . دخان انتفاضة عارمة يملأ الأجواء الملتهبة في كل الأنحاء . . جموعٌ من الناس هبت تدافع عن حرمة المسجد غير مبالية بالأهوال . . رجالٌ وأطفالٌ عُزّل إلا من الحجارة انتشروا في الأزقة والطرقات . . حرائق تشتعل في الإطارات تعبر عن مكنون الصدور الساخطة على الاحتلال . . أزيز المجنزرات يضفي جواً آخر من الإرهاب والعدوان . . طائرات تحلق وتراقب عن كثب قبل بدء المواجهة . .
تعاضدت الأيدي المتوضئة ، وتقدمت الجموع كسيل هادر لا يأبه بآلياتهم التي التفت حول مستوطناتهم البغيضة . .
تصايح الشباب وتدافعوا ببسالة وإباء نحو الجنود المدججين الجاثمين وراء مدرعاتهم ومتاريسهم الواهية . . تطايرت الأحجار والزجاجات المستعرة نحو الغاصبين الآثمين . . لعلع الرصاص الغزير في كل مكان . . تصاعد دخان القنابل المسيلة للدموع هنا و هناك . . تعالت هتافات الحث على المواجهة و الصبر والثبات . .
تقدمت جموعهم بعزيمة أصلب من الصخر ، وهمة تعلو على القمم . . بدت الوجوه غير عابئة بأصوات القنابل والرصاص . . قذفوا حجارتهم تباعاً كالمطر . . وأتاهم الرد الدنيء من الجيوش الجاثمة . . زخات متتابعة من الرصاص . . وتساقطت أجساد أبطال الحجارة . . وتقدموا لا يعبأون بنار أعداء الحياة . . تقدموا بصدورهم نحو الرصاص . .
تململت الأرض واضطربت غضباً لأبنائها الذين سكبوا فوقها دماءهم الزكية الطاهرة في صورة معبرة رائعة . .
وقف جمال يتأمل هذه الجموع في كل الطرقات . . جعل يتنقل ببصره هنا وهناك يبحث عن طريق آمن يوصله وابنه محمداً إلى البيت . .
سقطت بالقرب منه قنبلة مسيلة للدموع . . تدحرجت قرب قدميه . . تسلل الدخان إلى رئتيه . . سعل بشدة . . التفت يميناً ويساراً . . تأمل الناس من حوله .
- محمد . . محمد . . أين أنت يا ولدي ؟!!
- أبي . . أنا هنا يا أبي . .
- تعال بسرعة . . هيا . .
أمسك بيده وجرى مسرعاً يبحث عن مخرج من هذا الحصار . . رأى الجنود ينتشرون بآلياتهم في كل مكان . . كانوا يحيطون بالمكان من كل اتجاه . .
نظر إلى ابنه بإشفاق . . شعر بضيق في صدره . .
- ولدي . . محمد . .
- انتبه يا أبي إنهم يطلقون الرصاص . .
- إنهم هناك يا بني . . أسرع لنختبئ . .
- أين يا أبي ؟!!
- هناك قرب ذلك البرميل . .
- إنه لا يصلح يا أبي . .
- ليس أمامنا شيء نختبئ خلفه غير هذا البرميل . . يمسك بيده ويسرع بخفة ليحتمي بالبرميل . . وينهمر الرصاص بغزارة . . يحضن الطفل الصغير أباه . .
- أبي . . إني خائف يا أبي . .
- لا تخف يا بني . . إن الله معنا . .
- إنهم هناك ينظرون إلينا . .
- قاتلهم الله . .
- هل سيطلقون الرصاص علينا يا أبي . .
- إنهم وحوش مجرمون يا بني . .
- أبي . . آآخ . . ساقي يا أبي . .
- ولدي . . محمد . . ماذا أصابك يا ولدي . . ؟!
- ساقي تؤلمني يا أبي . . آآخ . . وينظر إلى ساقه فيرى الدماء تنزف بغزارة . . يشده إليه . . يعانقه . . يقبله . .
- أبي . . إنها تؤلمني يا أبي . . آآخ . .
ويصرخ صرخة مدوية تهتز لها الأرجاء . . وتتعالى في سماء فلسطين مجلجلة بالغضب العارم . . وتهتز لها الأفئدة . . ويضطرب الجنود . . ويطلقون المزيد من الرصاص علهم يخمدون هذه الصرخة المدوية . .
ويخترق الرصاص المقتحم رقبة الطفل وظهره . . . ويرتمي في أحضان والده هادئاً مطمئناً . . ويسكن الألم . . ويبرد الجسد الطري في جو من الأسى . . يصرخ الوالد المفجوع بولده . .
- ولدي . . ولدي . . مجرمون . . قتلة . . وتتدفق الدموع حزينة حرى . .
وتعاجل زخات من الرصاص المنهمر الوالد المفجوع الحزين . .
- آآخ . .
يحاول النهوض فلا يستطيع . . فقد اخترقت جسده ثماني رصاصات ملتهبة .
ينهار ويسقط وهو يحتضن ابنه القتيل بين يديه . . يزداد الغضب اشتعالاً . . وتتواصل الجموع بهتافاتها . . وتشتبك مع الجنود في حرب غير متكافئة . . ويترجل سائق إسعاف من سيارته لينقل الوالد الجريح وابنه القتيل إلى المستشفى . يتقدم نحوهما بخفة . . يمسك بيد الوالد ليحمله . . يحاول النهوض . . يشعر بوخز في خاصرته . . يضع يده وينظر .
- آآه . . دماء . . يلتفت إلى الوراء . . يستقبل الرصاص بصدره بشجاعة . . يجثو على ركبتيه يتأمل الدماء الغزيرة على الأرض من حوله . . يشعر بدوار . . يهوي ليعانق الأرض والدماء . . ويصحو الوالد الجريح في المستشفى بعد أيام . . يفاجأ بأنه عاجزٌ لا يستطيع الحركة . . يدرك أن ابنه قتل في تلك المعركة . . يتذكر صرخته المدوية . . ويتذكرها كل من سمعها أو سمع بها . .
وتظل تلك الصرخة البريئة تجلجل في سماء فلسطين مع كل انتفاضة ضد اليهود ، وتظل مدوية هادرة تؤرّق مضاجعهم ، وتحرق أفئدتهم الخاوية . .
تسللت دموع الوالد الحزين . . تمتم بكلمات . .
- قتلوه بالرصاص حقاً . . لكن صرخته أحيت الكثيرين . . وستظل أقوى من ذلك الرصاص !!
________________________
هتافات غاضبة تجلجل في سماء غزة استجابة لنداء الأقصى الجريح . . دخان انتفاضة عارمة يملأ الأجواء الملتهبة في كل الأنحاء . . جموعٌ من الناس هبت تدافع عن حرمة المسجد غير مبالية بالأهوال . . رجالٌ وأطفالٌ عُزّل إلا من الحجارة انتشروا في الأزقة والطرقات . . حرائق تشتعل في الإطارات تعبر عن مكنون الصدور الساخطة على الاحتلال . . أزيز المجنزرات يضفي جواً آخر من الإرهاب والعدوان . . طائرات تحلق وتراقب عن كثب قبل بدء المواجهة . .
تعاضدت الأيدي المتوضئة ، وتقدمت الجموع كسيل هادر لا يأبه بآلياتهم التي التفت حول مستوطناتهم البغيضة . .
تصايح الشباب وتدافعوا ببسالة وإباء نحو الجنود المدججين الجاثمين وراء مدرعاتهم ومتاريسهم الواهية . . تطايرت الأحجار والزجاجات المستعرة نحو الغاصبين الآثمين . . لعلع الرصاص الغزير في كل مكان . . تصاعد دخان القنابل المسيلة للدموع هنا و هناك . . تعالت هتافات الحث على المواجهة و الصبر والثبات . .
تقدمت جموعهم بعزيمة أصلب من الصخر ، وهمة تعلو على القمم . . بدت الوجوه غير عابئة بأصوات القنابل والرصاص . . قذفوا حجارتهم تباعاً كالمطر . . وأتاهم الرد الدنيء من الجيوش الجاثمة . . زخات متتابعة من الرصاص . . وتساقطت أجساد أبطال الحجارة . . وتقدموا لا يعبأون بنار أعداء الحياة . . تقدموا بصدورهم نحو الرصاص . .
تململت الأرض واضطربت غضباً لأبنائها الذين سكبوا فوقها دماءهم الزكية الطاهرة في صورة معبرة رائعة . .
وقف جمال يتأمل هذه الجموع في كل الطرقات . . جعل يتنقل ببصره هنا وهناك يبحث عن طريق آمن يوصله وابنه محمداً إلى البيت . .
سقطت بالقرب منه قنبلة مسيلة للدموع . . تدحرجت قرب قدميه . . تسلل الدخان إلى رئتيه . . سعل بشدة . . التفت يميناً ويساراً . . تأمل الناس من حوله .
- محمد . . محمد . . أين أنت يا ولدي ؟!!
- أبي . . أنا هنا يا أبي . .
- تعال بسرعة . . هيا . .
أمسك بيده وجرى مسرعاً يبحث عن مخرج من هذا الحصار . . رأى الجنود ينتشرون بآلياتهم في كل مكان . . كانوا يحيطون بالمكان من كل اتجاه . .
نظر إلى ابنه بإشفاق . . شعر بضيق في صدره . .
- ولدي . . محمد . .
- انتبه يا أبي إنهم يطلقون الرصاص . .
- إنهم هناك يا بني . . أسرع لنختبئ . .
- أين يا أبي ؟!!
- هناك قرب ذلك البرميل . .
- إنه لا يصلح يا أبي . .
- ليس أمامنا شيء نختبئ خلفه غير هذا البرميل . . يمسك بيده ويسرع بخفة ليحتمي بالبرميل . . وينهمر الرصاص بغزارة . . يحضن الطفل الصغير أباه . .
- أبي . . إني خائف يا أبي . .
- لا تخف يا بني . . إن الله معنا . .
- إنهم هناك ينظرون إلينا . .
- قاتلهم الله . .
- هل سيطلقون الرصاص علينا يا أبي . .
- إنهم وحوش مجرمون يا بني . .
- أبي . . آآخ . . ساقي يا أبي . .
- ولدي . . محمد . . ماذا أصابك يا ولدي . . ؟!
- ساقي تؤلمني يا أبي . . آآخ . . وينظر إلى ساقه فيرى الدماء تنزف بغزارة . . يشده إليه . . يعانقه . . يقبله . .
- أبي . . إنها تؤلمني يا أبي . . آآخ . .
ويصرخ صرخة مدوية تهتز لها الأرجاء . . وتتعالى في سماء فلسطين مجلجلة بالغضب العارم . . وتهتز لها الأفئدة . . ويضطرب الجنود . . ويطلقون المزيد من الرصاص علهم يخمدون هذه الصرخة المدوية . .
ويخترق الرصاص المقتحم رقبة الطفل وظهره . . . ويرتمي في أحضان والده هادئاً مطمئناً . . ويسكن الألم . . ويبرد الجسد الطري في جو من الأسى . . يصرخ الوالد المفجوع بولده . .
- ولدي . . ولدي . . مجرمون . . قتلة . . وتتدفق الدموع حزينة حرى . .
وتعاجل زخات من الرصاص المنهمر الوالد المفجوع الحزين . .
- آآخ . .
يحاول النهوض فلا يستطيع . . فقد اخترقت جسده ثماني رصاصات ملتهبة .
ينهار ويسقط وهو يحتضن ابنه القتيل بين يديه . . يزداد الغضب اشتعالاً . . وتتواصل الجموع بهتافاتها . . وتشتبك مع الجنود في حرب غير متكافئة . . ويترجل سائق إسعاف من سيارته لينقل الوالد الجريح وابنه القتيل إلى المستشفى . يتقدم نحوهما بخفة . . يمسك بيد الوالد ليحمله . . يحاول النهوض . . يشعر بوخز في خاصرته . . يضع يده وينظر .
- آآه . . دماء . . يلتفت إلى الوراء . . يستقبل الرصاص بصدره بشجاعة . . يجثو على ركبتيه يتأمل الدماء الغزيرة على الأرض من حوله . . يشعر بدوار . . يهوي ليعانق الأرض والدماء . . ويصحو الوالد الجريح في المستشفى بعد أيام . . يفاجأ بأنه عاجزٌ لا يستطيع الحركة . . يدرك أن ابنه قتل في تلك المعركة . . يتذكر صرخته المدوية . . ويتذكرها كل من سمعها أو سمع بها . .
وتظل تلك الصرخة البريئة تجلجل في سماء فلسطين مع كل انتفاضة ضد اليهود ، وتظل مدوية هادرة تؤرّق مضاجعهم ، وتحرق أفئدتهم الخاوية . .
تسللت دموع الوالد الحزين . . تمتم بكلمات . .
- قتلوه بالرصاص حقاً . . لكن صرخته أحيت الكثيرين . . وستظل أقوى من ذلك الرصاص !!
________________________