بسم الله الرحمن الرحيم
مسرحية من ثلاثة مشاهد
تأليف / عبد الناصر محمد مغنم
المشهد الأول
وفاة الشيخ الصالح
يفتح الستار ..
أشجار مثمرة متناثرة .. أوعية ممتلئة بالفواكه مصفوفة على الأرض ..
شيخ كبير يلبس ثوباً أبيض قد شد وسطه بحزام أسود ، ويلبس عمامة سوداء على رأسه ، و له لحية بيضاء كثة يتكئ على عصا كبيرة ، ويتفقد ثماره ..
يدخل عليه ثلاثة رجال يلبسون ثياباً رثة تظهر حاجتهم وفقرهم ..
- السلام عليكم أيها الرجل الصالح ..
يلتفت إليهم بنظرة فيها خشوع وشفقة ..
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. تعالوا يا أبنائي .. تعالوا خذوا نصيبكم ..
يحمل الأوعية ويعطي كل واحد منهم وعاءه ..
- هذا لك يا عمران .. وهذا لك يا موسى .. أما هذا فلإدريس وعياله .. فإنه كثير العيال ..
الثلاثة بصوت واحد : شكراً لك أيها الشيخ الصالح .. جزاك الله عنا كل خير ..
- هيا اذهبوا لعيالكم بهذا الرزق الذي ساقه الله إليكم .. هيا بأمان الله ..
يتولى الثلاثة فرحين ..
يتنهد الشيخ ..
- إيــه .. الحمد لله ... اللهم اخلف علي بخير منه يا الله ..
يدخل ثلاثة من الشباب تبدو على أجسامهم آثار القوة والنعمة ..
سالم: الله الله .. ما هذا يا أبي ؟!!
حازم: لا زلت تفرق ثمارنا على الفقراء والمساكين ..
رابح : ما هذا الإسراف يا أبي ..
الشيخ بغضب ..
- ما شاء الله .. تعلمون أباكم كيف ينفق ماله .. ويحكم .. إنما ابتغي بهذا وجه الله عز وجل ..
سالم : ولكنك تتلف أموالنا يا أبي ..
- ماذا تقول يا سالم .. أتلفها .. بل أحفظها لكم بمشيئة الله تعالى .. الصدقة تحفظ المال وتباركه .. الصدقة بركة وزيادة خير ..
رابح : ولكنك تنفق بغير حساب .. تعطي هذا وهذا .. ونحن ..أولادك .. أليس لنا حق ..
- كلا يا رابح .. أنا لم أقصر في حقكم يا أبنائي ..
حازم : لم تدخر لنا من المال شيئاً ..
- ويحك يا حازم .. لقد ادخرت لكم هذا البستان تأكلون منه وتنفقون ..
سالم : كنت تستطيع أن تدخر لنا أكثر من هذا ..
يظهر الغضب على الوالد ..
- لا حول ولا قوة إلا بالله ..
يشعر بألم شديد .. يضع يده على صدره .. يضعف ويرجف ..
- آآخ .. صدري ..
يلتف عليه أولاده .. يصرخون .. يمسكون به ..
- أبي .. أبي .. ماذا أصابك يا أبي ..
ينظر إليهم ويتأمل وجوههم ..
- أوصيكم بالمساكين .. إياكم أن تحرموهم حقهم .. إذا أردتم لهذه الجنة أن تبقى فاحفظوها بالنفقة .. أوصيكم بالمساكين .. إياكم أن تحرموهم حقهم .. آآآه ..
- أبي .. أبي .. ( بكاء )
يسدل الستار .
المشهد الثاني
نية السوء
*************
سوق القرية وقد ظهر فيه جماعات من الناس يروحون ويجيئون .. بعض الباعة يعرضون بضاعتهم .. أقمشة وأواني وغيرها ..
اثنان من الققراء يجهزون أوعيتهم ..
- هل جهزت كل شيء يا إدريس ..
- نعم يا عمران .. غداً صباحاً نتوجه إلى البستان إن شاء الله ..
- رحم الله الشيخ الصالح .. كم كان كريماً معنا ..
- رحمه الله .. لا بد أن يكون أبناؤه مثله ..
- أخشى أن لا نجد عندهم الخير الذي كنا نجده عند والدهم ..
- تفاءل بالخير يا رجل ..
- حسناً .. غداً نلتقي ..
يحمل كل منهما وعاءه وينصرف ..
يمر أبناء الشيخ الصالح ..
ينظرون نحو الفقيرين ..
حازم : أسمعت يا سالم .. أسمعت ..
سالم : نعم يا حازم .. سمعت ما يقول هؤلاء الطماعون ..
رابح : مهلاً يا إخوة .. لا تتعجلوا ..
حازم : ماذا تعني يا رباح .. ؟
رابح : أرى أن لا تحرموا هؤلاء الفقراء من نصيبهم في ثمارنا ..
سالم : ماذا تقول .. هل جننت ..
رابح : إنها وصية أبيكم ..
حازم : لقد كان أبونا لا يعقل ولا يحسن التفكير ..
رابح : ماذا تقولون .. اتقوا الله في أنفسكم ..
سالم : إن كنت تريد أن تعطيهم من ثمارنا فلا تذهب معنا ..
رابح : هل أنتم عازمون على منعهم من دخول البستان ..
حازم : قررنا قطف الثمار مع الصباح قبل مجيء الفقراء ..
سالم : وبذلك نمنعهم من الحصول على ما يريدون .. ( يضحكان )..
رابح : ( يطأطئ رأسه ) لا حول ولا قوة إلا بالله ..
سالم : علينا أن ننام مبكرين ..
حازم : لنستيقظ مبكرين .. ( ضحكات عالية )
يسدل الستار ..
المشهد الثالث
الجزاء من جنس العمل
********
قبل أن يفتح الستار .. يسمع صوت رياح ورعد وقعقعة ....
يفتح الستار ..
أرض جرداء .. حجارة سوداء .. أصوات رياح خفيفة .. جذوع أشجار ملقاة على الأرض ..
الأبناء الثلاثة يصلون المكان .. ينظرون حولهم .. يتأملون الخراب ..
سالم : ما هذا .. أين نحن ..
حازم : يبدو .. يبدو أننا أضعنا البستان ..
رابح : ولكننا سرنا في الطريق الصحيح ..
سالم : ماذا تعني ..
حازم : كلا .. كلا .. هذا ليس بستاننا ..
سالم : إذن أين البستان ..
ينظرون ويتلفتون يمنة ويسرة .. يحدقون في الأفق ..
رابح : انظروا هنا جيداً .. أليست هذه هي الصخرة التي كان يجلس عليها والدنا ..
يتأملان ويحدقان .. يصابان بالوجوم ..
سالم : يا إلهي .. ما الذي حصل ؟
حازم : إنها جنتنا .. ( يشير بيديه إلى الأحجار والأشجار )
سالم : يا إلهي .. ما الذي حصل ؟ من الذي فعل بها هكذا ؟
حازم : من الذي أهلكها ؟
رابح : إنه الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ..
سالم : آآآه .. يا الله ...
حازم : إنها فكرتك يا سالم ..
سالم : بل فكرتك أنت ..
رابح : ألم أقل لكم لولا تسبحون ..
يطأطئان براسيهما .. يبكيان ..
- سبحان ربنا إنا كنا ظالمين .. سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ..
رابح : هذا جزاء الطمع والجشع .. أردتم منع الفقراء من حقهم فنزع الله نعمته عنكم .. ألم تتذكروا وصية أبيكم ..
يسمعون صوت أبيهم ..
- أوصيكم بالمساكين .. إياكم أن تحرموهم حقهم .. إذا أردتم لهذه الجنة أن تبقى فاحفظوها بالنفقة .. أوصيكم بالمساكين .. إياكم أن تحرموهم حقهم .. آآآه ..
يصيحون ويبكون ..
- عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون ..
يجلسون على تراب أرضهم ويبكون ..
صوت : ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين .. ) إلى قوله تعالى ( كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون )