العرب وأمية المطالعة .. !!
بقلم / عبد الناصر محمد مغنم ( أبو سنان اللداوي)********
بتأمل حال الأمة رجالاً ونساءً ، وشيوخاً وأطفالاً ، من منظار الثقافة والتعليم ، نقف على ما يحير الألباب، ويدهش العقول .. !!
فالغالبية العظمى من المثقفين - بالرغم من نيلها قسطاً من التعليم - تعزف عن المطالعة ، ولا تهتم بالقراءة ، بل يمكن أن تعتبر المطالعة تضييعاً للوقت في غير فائدة ، وإهداراً لساعات العمر في العبث واللهو الذي لن يجلب غير الهم والنكد ويؤدي إلى بلبلة في الفكر ، وتشتت في الأذهان !!
ومن الأمثلة على ذلك الاستفتاء الذي أجرته "اليونسكو" في لبنان حول المطالعة ، حيث تبين أن 3% فقط من الشباب اللبنانيين يطالعون الكتب !! (1)
هذا في لبنان التي تعج بالمطابع ، ودور النشر ، وتصدر فيها أغلب الكتب والمطبوعات العربية ، وتصدر للعالم كله مطبوعاتها المختلفة ..!!
بالأمس كان الخبر الصحفي الجديد أو الحدث الغريب ذا أثر بالغ في الشارع العربي ، وربما حرك شعوباً بأكملها لتتفاعل معه ، وتنتفض استجابة للتغيير الطارئ ، فتسارع لتعبر عن معارضتها أو موافقتها تعبيراً إيجابياً مؤثراً ...
أما اليوم فإن الأحداث تتسارع ، والمؤامرات تتكشف ، والأخبار المفجعة تُنقل لنا بالصوت والصورة أولاً بأول عبر وسائل الإعلام المختلفة ، وبعضها يزلزل الوجدان وتشيب لهوله الولدان ، ولكننا نعمي أبصارنا ، ونصم آذاننا ، وإن طالعنا وسمعنا وأبصرنا فإن بلادة حسنا تقف عائقاً أمامنا لنفهم ونحلل ، وإذا ما حللنا وقفنا عاجزين عن التصرف ، مما يجعل أثر ذلك كله يذهب أدراج الرياح، فنسمع الصرخات المدوية لحرماتنا وهي تنتهك ، ومقدساتنا وهي تُدنَّس ، ولكن لا نستطيع الإجابة والتفاعل ، وكأنما هي صرخات في واد ، ونفخات في رماد !!
وبالتالي ينطبق علينا في هذا قول القائل : إن العرب أمة أمية لا تقرأ ، وإن قرأت لا تفهم ، وإن فهمت لا تعمل .. !!
إن الحالة التي وصلنا إليها من ضحالة في المعلومات ، وعزوف عن المطالعة ، وعجز عن التحليل ، وتجنب للحق في التصور والتقدير ، وغبش في الرؤية ، أدت إليها تراكمات وضغوط هائلة ، سياسية واجتماعية واقتصادية ، وهذه الحالة السلبية تشهد عليها مكتباتنا وصحافتنا وإنتاجنا الإعلامي ، ويشكو منها مؤلفونا وعلماؤنا والباحثون الذين صرفوا ثمرة أعمارهم في البحث والتأليف ، والتحليل ، والرصد لتبصير أفراد الأمة بما يدور حولهم ، وتعرية الحقيقة أمامهم لتضح مجريات الأمور ، وطبيعة الصراعات الدائرة هنا وهناك ، ولنعرف ماذا يخطط لنا ، وماذا يمكن أن يحدث لنا في المستقبل ، وغير ذلك ..
لقد حذرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ( إيسيسكو) في بيان أصدرته بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية الذي وافق الثامن من أيلول / 1998م ، من خطر زحف الأمية على معظم المجتمعات الإسلامية ، وأكدت أن نسبة الأمية في العالم الإسلامي تتراوح ما بين 45% و60% ، أي أكثر من نصف تعداد المسلمين في العالم ..!! (2)
هذا الأمر يبين مدى التراجع في سياسة التعليم والثقافة في مجتمعاتنا ، والذي نجزم بأنه إفراز للسياسة العامة في دولنا ، والتي تقوم على العشوائية ، وتتسم بالتبعية ، كما أنها تعتبر مثقلة بالمتناقضات ، ومكبلة بالتبعات والضغوط الدولية ، فضلاً عن سيرها ضمن إطار أجنبي في اتجاه مرسوم لا تستطيع أن تحيد عنه ..
إن الوسط العربي المثقف فضلاً عن العقبات المتوالية التي تعترضه ، والمعاناة التي لا تتوقف في طريقه لوصول أفراده للدرجات العليا في السلم التعليمي ، فإنه لا يلقى التشجيع المناسب للمطالعة والبحث والتحليل ، ولا تتوفر لديه التسهيلات الموجودة في الغرب مثلاً للتأليف والنشر ، بل ربما لا يجد الوقت أو الظرف المناسب ليتفرغ للمطالعة والبحث ..
هناك إشكاليات كثيرة يصعب حلها في خضم سياسة التثقيف العربية ، كما أن الحالة العامة منذ أمد لم تتغير ، ولم تتحسن في هذا الجانب ، بل نجد السياسات المتبعة تساعد في التراجع ، وترسخ التجهيل ، وتؤطر للدوران في حلقة مفرغة ، بل تعمل للبقاء في مستنقع التخلف دون أمل في التقدم ولو خطوة واحدة للأمام ..
ولربما لا يجهل أحد حقيقة الضغوط الدولية للإبقاء على الحالة المتردية من الجهل والتخلف في عالمنا العربي ، بل إننا نشهد توجهاً عاماً لتحجيم نسبة التعلم ، وتقليص عدد المتعلمين ، بسن قوانين تعجيزية ، أو فرض رسوم باهظة ، أو تفعيل وسائل الإلهاء والعبث والرياضة لتساهم في زيادة نسبة الجهل والبعد عن كل ينابيع الثقافة ..
إن الفهم والقدرة على التحليل أمران يخيفان الدول المهيمنة ، ويؤرقان الساسة الذين يرسمون التوجه العام للمنطقة بأسرها ، وبالتالي فلا بد من وضع كل العقبات الممكنة أمام وصول الأمة إلى مرحلة الفهم والقدرة على التحليل وتحديد مكامن الخطر ، ومعرفة سبل الرفعة والعزة .. بل لا بد من صرف الأمة عن مثل هذه الأمور ، وتغيير وجهتها ، وقلب مفاهيمها لتسهل السيطرة عليها ..
تُضاف هذه الحالة إلى سلبيات الأمة المتعددة ، وتندرج تحت نقاط الضعف التي لا بد من معالجتها، علماً بأن الأمر ليس بالسهل ، وتحقيقه يحتاج لتكاتف وتعاون منقطع النظير .. وذلك في مجال الإصلاح الذي نحلم به !!
وأمام هذا الواقع المؤلم تتمثل المعضلة التي تحتاج إلى انعتاق عام من التبعية ووطأتها ، ورفض تام للاستجابة للضغوط ، وتتضح الحاجة الماسة للتغيير ، وتبرز الدوافع للنهوض من جديد .. نهضة حقيقية شاملة تخرجنا من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة في ظل الإيمان والتمسك بمبادئ الإسلام العظيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحياة - 28/4/1419هـ .
(2) الحياة - 24/5/1419هـ .
بقلم / عبد الناصر محمد مغنم ( أبو سنان اللداوي)********
بتأمل حال الأمة رجالاً ونساءً ، وشيوخاً وأطفالاً ، من منظار الثقافة والتعليم ، نقف على ما يحير الألباب، ويدهش العقول .. !!
فالغالبية العظمى من المثقفين - بالرغم من نيلها قسطاً من التعليم - تعزف عن المطالعة ، ولا تهتم بالقراءة ، بل يمكن أن تعتبر المطالعة تضييعاً للوقت في غير فائدة ، وإهداراً لساعات العمر في العبث واللهو الذي لن يجلب غير الهم والنكد ويؤدي إلى بلبلة في الفكر ، وتشتت في الأذهان !!
ومن الأمثلة على ذلك الاستفتاء الذي أجرته "اليونسكو" في لبنان حول المطالعة ، حيث تبين أن 3% فقط من الشباب اللبنانيين يطالعون الكتب !! (1)
هذا في لبنان التي تعج بالمطابع ، ودور النشر ، وتصدر فيها أغلب الكتب والمطبوعات العربية ، وتصدر للعالم كله مطبوعاتها المختلفة ..!!
بالأمس كان الخبر الصحفي الجديد أو الحدث الغريب ذا أثر بالغ في الشارع العربي ، وربما حرك شعوباً بأكملها لتتفاعل معه ، وتنتفض استجابة للتغيير الطارئ ، فتسارع لتعبر عن معارضتها أو موافقتها تعبيراً إيجابياً مؤثراً ...
أما اليوم فإن الأحداث تتسارع ، والمؤامرات تتكشف ، والأخبار المفجعة تُنقل لنا بالصوت والصورة أولاً بأول عبر وسائل الإعلام المختلفة ، وبعضها يزلزل الوجدان وتشيب لهوله الولدان ، ولكننا نعمي أبصارنا ، ونصم آذاننا ، وإن طالعنا وسمعنا وأبصرنا فإن بلادة حسنا تقف عائقاً أمامنا لنفهم ونحلل ، وإذا ما حللنا وقفنا عاجزين عن التصرف ، مما يجعل أثر ذلك كله يذهب أدراج الرياح، فنسمع الصرخات المدوية لحرماتنا وهي تنتهك ، ومقدساتنا وهي تُدنَّس ، ولكن لا نستطيع الإجابة والتفاعل ، وكأنما هي صرخات في واد ، ونفخات في رماد !!
وبالتالي ينطبق علينا في هذا قول القائل : إن العرب أمة أمية لا تقرأ ، وإن قرأت لا تفهم ، وإن فهمت لا تعمل .. !!
إن الحالة التي وصلنا إليها من ضحالة في المعلومات ، وعزوف عن المطالعة ، وعجز عن التحليل ، وتجنب للحق في التصور والتقدير ، وغبش في الرؤية ، أدت إليها تراكمات وضغوط هائلة ، سياسية واجتماعية واقتصادية ، وهذه الحالة السلبية تشهد عليها مكتباتنا وصحافتنا وإنتاجنا الإعلامي ، ويشكو منها مؤلفونا وعلماؤنا والباحثون الذين صرفوا ثمرة أعمارهم في البحث والتأليف ، والتحليل ، والرصد لتبصير أفراد الأمة بما يدور حولهم ، وتعرية الحقيقة أمامهم لتضح مجريات الأمور ، وطبيعة الصراعات الدائرة هنا وهناك ، ولنعرف ماذا يخطط لنا ، وماذا يمكن أن يحدث لنا في المستقبل ، وغير ذلك ..
لقد حذرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ( إيسيسكو) في بيان أصدرته بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية الذي وافق الثامن من أيلول / 1998م ، من خطر زحف الأمية على معظم المجتمعات الإسلامية ، وأكدت أن نسبة الأمية في العالم الإسلامي تتراوح ما بين 45% و60% ، أي أكثر من نصف تعداد المسلمين في العالم ..!! (2)
هذا الأمر يبين مدى التراجع في سياسة التعليم والثقافة في مجتمعاتنا ، والذي نجزم بأنه إفراز للسياسة العامة في دولنا ، والتي تقوم على العشوائية ، وتتسم بالتبعية ، كما أنها تعتبر مثقلة بالمتناقضات ، ومكبلة بالتبعات والضغوط الدولية ، فضلاً عن سيرها ضمن إطار أجنبي في اتجاه مرسوم لا تستطيع أن تحيد عنه ..
إن الوسط العربي المثقف فضلاً عن العقبات المتوالية التي تعترضه ، والمعاناة التي لا تتوقف في طريقه لوصول أفراده للدرجات العليا في السلم التعليمي ، فإنه لا يلقى التشجيع المناسب للمطالعة والبحث والتحليل ، ولا تتوفر لديه التسهيلات الموجودة في الغرب مثلاً للتأليف والنشر ، بل ربما لا يجد الوقت أو الظرف المناسب ليتفرغ للمطالعة والبحث ..
هناك إشكاليات كثيرة يصعب حلها في خضم سياسة التثقيف العربية ، كما أن الحالة العامة منذ أمد لم تتغير ، ولم تتحسن في هذا الجانب ، بل نجد السياسات المتبعة تساعد في التراجع ، وترسخ التجهيل ، وتؤطر للدوران في حلقة مفرغة ، بل تعمل للبقاء في مستنقع التخلف دون أمل في التقدم ولو خطوة واحدة للأمام ..
ولربما لا يجهل أحد حقيقة الضغوط الدولية للإبقاء على الحالة المتردية من الجهل والتخلف في عالمنا العربي ، بل إننا نشهد توجهاً عاماً لتحجيم نسبة التعلم ، وتقليص عدد المتعلمين ، بسن قوانين تعجيزية ، أو فرض رسوم باهظة ، أو تفعيل وسائل الإلهاء والعبث والرياضة لتساهم في زيادة نسبة الجهل والبعد عن كل ينابيع الثقافة ..
إن الفهم والقدرة على التحليل أمران يخيفان الدول المهيمنة ، ويؤرقان الساسة الذين يرسمون التوجه العام للمنطقة بأسرها ، وبالتالي فلا بد من وضع كل العقبات الممكنة أمام وصول الأمة إلى مرحلة الفهم والقدرة على التحليل وتحديد مكامن الخطر ، ومعرفة سبل الرفعة والعزة .. بل لا بد من صرف الأمة عن مثل هذه الأمور ، وتغيير وجهتها ، وقلب مفاهيمها لتسهل السيطرة عليها ..
تُضاف هذه الحالة إلى سلبيات الأمة المتعددة ، وتندرج تحت نقاط الضعف التي لا بد من معالجتها، علماً بأن الأمر ليس بالسهل ، وتحقيقه يحتاج لتكاتف وتعاون منقطع النظير .. وذلك في مجال الإصلاح الذي نحلم به !!
وأمام هذا الواقع المؤلم تتمثل المعضلة التي تحتاج إلى انعتاق عام من التبعية ووطأتها ، ورفض تام للاستجابة للضغوط ، وتتضح الحاجة الماسة للتغيير ، وتبرز الدوافع للنهوض من جديد .. نهضة حقيقية شاملة تخرجنا من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة في ظل الإيمان والتمسك بمبادئ الإسلام العظيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحياة - 28/4/1419هـ .
(2) الحياة - 24/5/1419هـ .