1- ابن أم الدهماء سعيد بن جبير
هو مثل بالعلم والفقه والدين وه قدوة للعلماء الربانيين أمضى حياته طلبا للعلم حتى أنه من كثرة طلبه للعلم وحبه له بلغ فيه مالم يبلغه أحد مثله من أقرانه وقد قال فيه: كان أعلمهم بالقرآن مجاهد وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير.
إذا فهو سعيد بن جبير رضي الله عنه تلميذ ابن عمر وابن عباس رضوان الله عليهم وإمام أهل الكوفة في زمانه والمداوم على طاعة الله وعبادته فكان يحج مرة ويعتمر مرة في كل سنة، ويقيم الليل، ويكثر من الصيام، وربما ختم قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام وشهادة حبر الأمة له دليل على علمه وفضله فقد كان ابن عباس رضي الله عنه يجعل سعيدًا بن جبير يفتي وهو موجود، ولما كان أهل الكوفة يستفتونه، فكان يقول لهم: أليس منكم ابن أم الدهماء؟ يقصده بقوله ,
وقد كان رحمه الله يملك لسانا صادقا وقلبا حافظا , لا يخاف في الله لومة لائم ولا سطوة طاغٍ ولا يتراجع عن كلمة الحق حتى وإن كان الثمن حياته .
وجاء ذلك اليوم الذي عين فيه الحجاج بن يوسف الثقفي أميرا على العراق فظلم وتجبر وطغى وتكبر فقاتل كل من خالفه أو عارضه في فعل من أفعاله وقد سفك دم الصحابي عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في حرم مكة وهدد أنس بن مالك رضي الله عنه لكن الله حماه أما سعيد بن جبير فابى أن يبايعه ورفض الخنوع له فطلبه الحجاج وأمر جنده بالبحث عنه فانطلق خلفه أحد قادته وهو الملتمس بن الأحوص بعشرين من أهل الشام باحثين عنه وبينما هم كذلك إذ مرّوا براهب في صومعته فسألوه عنه ووصفوه له فعرفه فدلهم على مكانه فانطلقوا غليه فوجدوه ساجدا في صلاته فسلموا عليه فلما أتم بقية الصلاة رد عليهم السلام وسألهم عن حالهم فأجابوه إنا رسل الحجاج إليك فاجب الامير فتوكل على ربه عز وجل وانطلق معهم إلى الحجاج وبينما هم في طريق عودتهم إذ مروا على دير الراهب فناداهم وقال لهم إن في طريقكم لبؤة وأسد يباتان حول الدير في المساء فاقضوا ليلتكم هذه عندي فوافقوا على ذلك وأبى سعيد الدخول فقالوا له إنا نراك تريد الفرار والهرب فقال لهم كلا ولكني لا أدخل منزل مشرك ابداً , فقالوا له : فإنا لاندعك فإن السباع تقتلك قأجابهم : لا ضير إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسا تحرسني , فقالوا له : أوأنت من الأنبياء؟! فقال : لا إنما أنا عبد من عبيد الله مذنب , فطلب الراهب منه أن يعطيه وعد وموثق أنه لا يهرب فأبى وقال إني أعطي الواحد الذي لا شريك له أني لا أبرح من مكاني حتى أصبح إن شاء الله , فرضي الرجال ورضي الراهب ودخلوا بيت الراهب وجعلوا يجهزون أقواسهم وسهامهم خشية أن تفترسه السباع ويرقبون من داخل البيت وإذا هم كذلك إذ بلبؤة أقبلت ودنت من سعيد وجعلت تتمسح به وتتحك وإذا بالأسد يفعل كذلك فاندهش الرجال والراهب وتعجبوا من أمره فلما أصبحوا إذا بالراهب ينزل إلى سعيد ويقبله ويسأله عن شرائع دينه ونبيه فأخبره سعيد بذلك كله فما هي غلا لحظات حتى أعلن الراهب دخوله في دين التوحيد وخروجه من دين عبادة الصليب واذا بالرجال يقبلون على سعيد ويقبلونه ويستسمحون منه مما بدر منهم ويعتذرون له ويقولون له : يا سعيد إن الحجاج حلفنا أنا إن رأيناك أن لانذهب حتى نحضرك إليه فأمرنا بما شئت .
فقال لهم امضوا لأمركم فإني لائذ بخالقي ولا مرد لقضائه , فساروال به حتى بلغوا واسطا في العراق فقال لهم سعيد : إني قد صحبتكم وأتيت معكم وإني لا اشك أن أجلي اقترب فدعوني الليلة آخذ رهبة الموت واستعد لمنكر ونكير وأذكر عذاب القبر فإذا أصبحتم فالميعاد بيننا المكان الذي تريدون . فتخاذل بعضهم وقال لا تدعوه يهرب وقد صار بين أيديكم وقال آخر قد وجبت لكم جوائز الامير فلا تعجزوا عنه , فتعجب الآخرون من قول أولائك وقالوا لهم : ويلكم أما لكم عبرة بالاسد ؟؟ فنظروا إلى سعيد فوجدوه مغبر لونه أشعث رأسه لم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ أن اصطحبوه معهم . فقالوا له ياخيرة أهل الأرض ليتنا لم نرك ولم نعرفك وليتنا لم نذهب إليك الويل لنا ويلا طويلا كيف بلينا بك !؟ فاعذرنا عند خالقنا وسامحنا يوم يجمعنا إليه فإنه القاضي الأكبر والعدل الذي لا يجور . فسامحهم وعذرهم فطلبوا منه أن يدعوا لهم ففعل ذلك فخلوا سبيله , فذهب وغسل رأسه ولباسه وهم باتوا ليلتهم يبكون يتنادمون على ما كان من أمرهم فلما طلع الفجر وانجلى الليل إذا بسعيد يطرق بابهم فذهبوا معه إلى الحجاج وهم يبكون فلما دخلوا على الحجاج قال لهم : أتيتموني بسعيد بن جبير ؟ قالوا له نعم وقد راينا منه عجبا ! فشاح بوجهه عنهم وقال أدخلوه علي فخرج المتلمس له فقال له : أستودعك الله وأقرأ عليك السلام . فأُدخل سعيد عليه فقال له الحجاج ما اسمك ؟
قال : سعيد بن جبير .
قال الحجاج : بل أنت حزين بن كسير .
قال سعيد : بل أمي أعلم باسمي منك.
فرد عليه الحجاج ك شقيت أنت وشقيت أمك .
فقال له له سعيد : الغيب يعلمه غيرك .
فغضب الحجاج وقال : لابدلنك بالدينار نار تلظى .
فأجابه سعيد رضي الله عنه : لو علمت أن هذا بيدك لاتخذتك إلها ً.
فسأله الحجاج : فما قولك بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟
قال : نبي الرحمة وإمام الهدى .
ثم ساله مرة أخرى وما قولك بعلي أهو في الجنة ؟ أم في النار ؟
فأجابه لو دخلتها فرأيت أهلها عرفت .
قال له الحجاج ك فما رأيك في الخلفاء ؟
قال سعيد : لست عليهم بوكيل .
قال الحجاج : أيهم لك اعجب ؟
فرد عليه سعيد : أرضاهم لخالقي .
قال الحجاج : وأيهم ارضى للخالق ؟
قال سعيد : علم ذلك عنده .
فغضب الحجاج وقال : لم تصدقني .
قال له سعيد : إني لم أحب أن أكذبك .
قال الحجاج : فما بالك لم تضحك
قال سعيد : لم تستو القلوب فاضحك .
فأمر الحجاج بالأموال والياقوت واللؤلؤ فوضعت أمام سعيد بن جبي متاملا منه أن ينضم له وأن يقف في صفه ويسكت عن ظلمه فما أغرت سعيد الدنيا ولا زينتها وما رضي بالسكوت عن الحق لأجل دنيا فانية و فكرر الحجاج محاولاته بإغراء سعيد فاحضر العود والناي حتى يحببه باللهو والترف فما كان من سعيد رضي الله عنه الا أن بكى , فتعجب الحجاج منه وساله ما يبكيه ؟ فاجابه سعيد : أما النفخ -يقصد النفخ في المزمار – فذكرني بيوم النفخ في الصور واما العود فشجرت قطعت بغير حق , وأما الاوتار فامعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة .
فاشتعل الحجاج غضبا من قول سعيد فقال له : ويلك يا سعيد .
فأجابه رضي الله عنه : الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار .
فقال له الحجاج ك اختر أي قتلة تريد أن أقتلك بها .
فقال له سعيد : اختر انت يا حجاج فو الله ما قتلتني قتلة إلا قتلتك مثلها يوم القيامة .
قال له الحجاج : أفتري دان أعفو عنك ؟
قال سعيد : أما العفو فمن الله وأما أنت فلا براءة لك ولا ذمة .
فأمر الحجاج جنوده بقتله فقال سعيد : ( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ). فأمرهم بان يوجهوه لغير القبلة فقال سعيد ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) . قال الحجاج كبوه على وجهه فقال سعيد : ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ) . قال الحجاج : اذبحوه . قال سعيد : إني اشهد وأحاج أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول عبده ورسوله , خذها مني يا حجاج , ثم دعا سعيد ربه وقال : اللهم لا تسلطه على رجل يقتله بعدي ..
استشهد سعيد بن جبير رضي الله عنه غادر دار الزوال على دار خلد ونعيم ذهب رضي الله عنه وبقيت سيرته تروى للاجيال والأجيال غادر الحياة بعد أن ضرب للعلماء والناس من بعده أروع مثل في قول كلمة الحق حتى وغن كان الثمن حياته , غادر العبد الصالح الحياة وقد طلب علم الدين على أيدي أكثر من عشرة من خير صحابة رسول الله , غادر الحياة وقد أجاب الله دعوته في من ظلمه وسفك دمه فما مكث الحجاج في الحياة بعد سعيد إلا خمسة عشر يوما وقد كان يقول قبل موته مالي ولسعيد بن جبير متأسفا ونادما على ما فعله , نعم .... غادر سعيد بن جبير رضي الله عنه وبقيت سيرته خالدةً تذكِّر علماء الأمة بأن طريق الجنان مملوء بالشوك والآلام وتحذرهم من الخوف من قول الحق وإن كان الثمن الحياة في الدنيا وأما الثمن في الآخرة جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فهنيئا لمثل هؤلاء منازل الشهداء ورفقة الأنبياء لأن كلماتهم خرجت لله وفي سبيل الله ....نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا .
( سير أعلام النبلاء الجزء 4 من صفحة 321 وحتى صفحة 341)
كتاب أعظم الجهاد
هو مثل بالعلم والفقه والدين وه قدوة للعلماء الربانيين أمضى حياته طلبا للعلم حتى أنه من كثرة طلبه للعلم وحبه له بلغ فيه مالم يبلغه أحد مثله من أقرانه وقد قال فيه: كان أعلمهم بالقرآن مجاهد وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير.
إذا فهو سعيد بن جبير رضي الله عنه تلميذ ابن عمر وابن عباس رضوان الله عليهم وإمام أهل الكوفة في زمانه والمداوم على طاعة الله وعبادته فكان يحج مرة ويعتمر مرة في كل سنة، ويقيم الليل، ويكثر من الصيام، وربما ختم قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام وشهادة حبر الأمة له دليل على علمه وفضله فقد كان ابن عباس رضي الله عنه يجعل سعيدًا بن جبير يفتي وهو موجود، ولما كان أهل الكوفة يستفتونه، فكان يقول لهم: أليس منكم ابن أم الدهماء؟ يقصده بقوله ,
وقد كان رحمه الله يملك لسانا صادقا وقلبا حافظا , لا يخاف في الله لومة لائم ولا سطوة طاغٍ ولا يتراجع عن كلمة الحق حتى وإن كان الثمن حياته .
وجاء ذلك اليوم الذي عين فيه الحجاج بن يوسف الثقفي أميرا على العراق فظلم وتجبر وطغى وتكبر فقاتل كل من خالفه أو عارضه في فعل من أفعاله وقد سفك دم الصحابي عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في حرم مكة وهدد أنس بن مالك رضي الله عنه لكن الله حماه أما سعيد بن جبير فابى أن يبايعه ورفض الخنوع له فطلبه الحجاج وأمر جنده بالبحث عنه فانطلق خلفه أحد قادته وهو الملتمس بن الأحوص بعشرين من أهل الشام باحثين عنه وبينما هم كذلك إذ مرّوا براهب في صومعته فسألوه عنه ووصفوه له فعرفه فدلهم على مكانه فانطلقوا غليه فوجدوه ساجدا في صلاته فسلموا عليه فلما أتم بقية الصلاة رد عليهم السلام وسألهم عن حالهم فأجابوه إنا رسل الحجاج إليك فاجب الامير فتوكل على ربه عز وجل وانطلق معهم إلى الحجاج وبينما هم في طريق عودتهم إذ مروا على دير الراهب فناداهم وقال لهم إن في طريقكم لبؤة وأسد يباتان حول الدير في المساء فاقضوا ليلتكم هذه عندي فوافقوا على ذلك وأبى سعيد الدخول فقالوا له إنا نراك تريد الفرار والهرب فقال لهم كلا ولكني لا أدخل منزل مشرك ابداً , فقالوا له : فإنا لاندعك فإن السباع تقتلك قأجابهم : لا ضير إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسا تحرسني , فقالوا له : أوأنت من الأنبياء؟! فقال : لا إنما أنا عبد من عبيد الله مذنب , فطلب الراهب منه أن يعطيه وعد وموثق أنه لا يهرب فأبى وقال إني أعطي الواحد الذي لا شريك له أني لا أبرح من مكاني حتى أصبح إن شاء الله , فرضي الرجال ورضي الراهب ودخلوا بيت الراهب وجعلوا يجهزون أقواسهم وسهامهم خشية أن تفترسه السباع ويرقبون من داخل البيت وإذا هم كذلك إذ بلبؤة أقبلت ودنت من سعيد وجعلت تتمسح به وتتحك وإذا بالأسد يفعل كذلك فاندهش الرجال والراهب وتعجبوا من أمره فلما أصبحوا إذا بالراهب ينزل إلى سعيد ويقبله ويسأله عن شرائع دينه ونبيه فأخبره سعيد بذلك كله فما هي غلا لحظات حتى أعلن الراهب دخوله في دين التوحيد وخروجه من دين عبادة الصليب واذا بالرجال يقبلون على سعيد ويقبلونه ويستسمحون منه مما بدر منهم ويعتذرون له ويقولون له : يا سعيد إن الحجاج حلفنا أنا إن رأيناك أن لانذهب حتى نحضرك إليه فأمرنا بما شئت .
فقال لهم امضوا لأمركم فإني لائذ بخالقي ولا مرد لقضائه , فساروال به حتى بلغوا واسطا في العراق فقال لهم سعيد : إني قد صحبتكم وأتيت معكم وإني لا اشك أن أجلي اقترب فدعوني الليلة آخذ رهبة الموت واستعد لمنكر ونكير وأذكر عذاب القبر فإذا أصبحتم فالميعاد بيننا المكان الذي تريدون . فتخاذل بعضهم وقال لا تدعوه يهرب وقد صار بين أيديكم وقال آخر قد وجبت لكم جوائز الامير فلا تعجزوا عنه , فتعجب الآخرون من قول أولائك وقالوا لهم : ويلكم أما لكم عبرة بالاسد ؟؟ فنظروا إلى سعيد فوجدوه مغبر لونه أشعث رأسه لم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ أن اصطحبوه معهم . فقالوا له ياخيرة أهل الأرض ليتنا لم نرك ولم نعرفك وليتنا لم نذهب إليك الويل لنا ويلا طويلا كيف بلينا بك !؟ فاعذرنا عند خالقنا وسامحنا يوم يجمعنا إليه فإنه القاضي الأكبر والعدل الذي لا يجور . فسامحهم وعذرهم فطلبوا منه أن يدعوا لهم ففعل ذلك فخلوا سبيله , فذهب وغسل رأسه ولباسه وهم باتوا ليلتهم يبكون يتنادمون على ما كان من أمرهم فلما طلع الفجر وانجلى الليل إذا بسعيد يطرق بابهم فذهبوا معه إلى الحجاج وهم يبكون فلما دخلوا على الحجاج قال لهم : أتيتموني بسعيد بن جبير ؟ قالوا له نعم وقد راينا منه عجبا ! فشاح بوجهه عنهم وقال أدخلوه علي فخرج المتلمس له فقال له : أستودعك الله وأقرأ عليك السلام . فأُدخل سعيد عليه فقال له الحجاج ما اسمك ؟
قال : سعيد بن جبير .
قال الحجاج : بل أنت حزين بن كسير .
قال سعيد : بل أمي أعلم باسمي منك.
فرد عليه الحجاج ك شقيت أنت وشقيت أمك .
فقال له له سعيد : الغيب يعلمه غيرك .
فغضب الحجاج وقال : لابدلنك بالدينار نار تلظى .
فأجابه سعيد رضي الله عنه : لو علمت أن هذا بيدك لاتخذتك إلها ً.
فسأله الحجاج : فما قولك بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟
قال : نبي الرحمة وإمام الهدى .
ثم ساله مرة أخرى وما قولك بعلي أهو في الجنة ؟ أم في النار ؟
فأجابه لو دخلتها فرأيت أهلها عرفت .
قال له الحجاج ك فما رأيك في الخلفاء ؟
قال سعيد : لست عليهم بوكيل .
قال الحجاج : أيهم لك اعجب ؟
فرد عليه سعيد : أرضاهم لخالقي .
قال الحجاج : وأيهم ارضى للخالق ؟
قال سعيد : علم ذلك عنده .
فغضب الحجاج وقال : لم تصدقني .
قال له سعيد : إني لم أحب أن أكذبك .
قال الحجاج : فما بالك لم تضحك
قال سعيد : لم تستو القلوب فاضحك .
فأمر الحجاج بالأموال والياقوت واللؤلؤ فوضعت أمام سعيد بن جبي متاملا منه أن ينضم له وأن يقف في صفه ويسكت عن ظلمه فما أغرت سعيد الدنيا ولا زينتها وما رضي بالسكوت عن الحق لأجل دنيا فانية و فكرر الحجاج محاولاته بإغراء سعيد فاحضر العود والناي حتى يحببه باللهو والترف فما كان من سعيد رضي الله عنه الا أن بكى , فتعجب الحجاج منه وساله ما يبكيه ؟ فاجابه سعيد : أما النفخ -يقصد النفخ في المزمار – فذكرني بيوم النفخ في الصور واما العود فشجرت قطعت بغير حق , وأما الاوتار فامعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة .
فاشتعل الحجاج غضبا من قول سعيد فقال له : ويلك يا سعيد .
فأجابه رضي الله عنه : الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار .
فقال له الحجاج ك اختر أي قتلة تريد أن أقتلك بها .
فقال له سعيد : اختر انت يا حجاج فو الله ما قتلتني قتلة إلا قتلتك مثلها يوم القيامة .
قال له الحجاج : أفتري دان أعفو عنك ؟
قال سعيد : أما العفو فمن الله وأما أنت فلا براءة لك ولا ذمة .
فأمر الحجاج جنوده بقتله فقال سعيد : ( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ). فأمرهم بان يوجهوه لغير القبلة فقال سعيد ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) . قال الحجاج كبوه على وجهه فقال سعيد : ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ) . قال الحجاج : اذبحوه . قال سعيد : إني اشهد وأحاج أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول عبده ورسوله , خذها مني يا حجاج , ثم دعا سعيد ربه وقال : اللهم لا تسلطه على رجل يقتله بعدي ..
استشهد سعيد بن جبير رضي الله عنه غادر دار الزوال على دار خلد ونعيم ذهب رضي الله عنه وبقيت سيرته تروى للاجيال والأجيال غادر الحياة بعد أن ضرب للعلماء والناس من بعده أروع مثل في قول كلمة الحق حتى وغن كان الثمن حياته , غادر العبد الصالح الحياة وقد طلب علم الدين على أيدي أكثر من عشرة من خير صحابة رسول الله , غادر الحياة وقد أجاب الله دعوته في من ظلمه وسفك دمه فما مكث الحجاج في الحياة بعد سعيد إلا خمسة عشر يوما وقد كان يقول قبل موته مالي ولسعيد بن جبير متأسفا ونادما على ما فعله , نعم .... غادر سعيد بن جبير رضي الله عنه وبقيت سيرته خالدةً تذكِّر علماء الأمة بأن طريق الجنان مملوء بالشوك والآلام وتحذرهم من الخوف من قول الحق وإن كان الثمن الحياة في الدنيا وأما الثمن في الآخرة جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فهنيئا لمثل هؤلاء منازل الشهداء ورفقة الأنبياء لأن كلماتهم خرجت لله وفي سبيل الله ....نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا .
( سير أعلام النبلاء الجزء 4 من صفحة 321 وحتى صفحة 341)
كتاب أعظم الجهاد