بسم الله الرحمن الرحيم
المعلم والتربية
المعلم والتربية
قال r : ( إنما بُعثت معلماً ... )
إنها الصفة التي تميز بها النبي r ، واعتز بها كما ورد في هذا الحديث ، وإنها المهنة السامية ، والأمانة العظيمة التي ورثها لنا نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .. وإنها المجال الخصب للتربية والدعوة والإصلاح في المجتمع .. وإنها الفرصة أمام كل من اختارها مهنة له في هذا الزمان ليقوم ببعض مهمات النبوة ، ويتصف بما اتصف به خير نبي أرسل للناس إلى يوم الدين .
عندما أسلم عمير بن وهب t قال r لأصحابه : ( فقهوا أخاكم وأقرئوه القرآن ).
إنه توجيه نبوي لأهم الأعمال الصالحة في المجتمع الإسلامي ، بل بيان لقاعدة لا ينهض المجتمع المسلم إلا بها ، وهي التكافل والتعاون في تعليم أبناء الأمة مبادئ دينها ، وأحكام قرآن ربها وسنة نبيها r . وهذا ما كان عليه النبي r وأصحابه .. فقد أرسل النبي r مصعب بن عمير يعلم أهل المدينة القرآن ، كما أرسل رسولاً لبني المصطلق عندما أسلموا ليعلمهم أمور الإسلام .
عن معاوية بن الحكم السلمي (رضي الله عنه) قال : ( بَيْنا أنا أصلي مع رسول الله r إذ عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثُكْل أُمّياه ، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني سكت ، فلما صلى رسول الله r دعاني ، فبأبي هو وأمي ، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ، فوالله ما كهرني ، ولا ضربني ، ولا شتمني ، قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير ، وقراءة القرآن ) 0
قال النووي : " فيه بيان ما كان عليه رسول الله r من عظم الخلق الذي شهد الله تعالى له به ، ورفقته بالجاهل ، ورأفته بأمته ، وشفقته عليهم ، وفيه التخلق بخلقه r في الرفق بالجاهل ، حسن تعليمه واللطف به وتقريب الصواب إلى فهمه"0
وعندما مر رسول الله r على حلقتين إحداهما يقرأون القرآن ويدعون الله تعالى ، والأخرى يتعلمون ويُعَلّمون ، قال رسول الله r : ( كلٌّ على خير ، هؤلاء يقرأون القرآن ويدعون الله ، فإن شاء أعطاهم ، وإن شاء منعهم ، وهؤلاء يتعلمون ويُعلّمون ، وإنما بعثت معلماً ، فجلس معهم) 0
فجلوس النبي r مع الذين يتعلمون ويُعلمون فيه تأييد لهم على التدريس والتعليم ، فكفى شرفاً ومنزلة من تولى مهنة التدريس هذا الفضل والإحسان 0
ويجب على المعلم أول ما يجب أن يتعرف على الأمور التالية :
1- ضرورة إخلاص النية في عمله ، وأن يكون القصد والتوجه في مهنته هذه لله وحده دون سواه . قال ابن الجوزي رحمه الله : ( إنما يتعثر من لم يخلص ) .
2- المكانة الرفيعة التي ارتقت إليها مهنته ، وذلك لأنها تندرج تحت قول الحق تبارك وتعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} .
3- المادة العظيمة التي جعلها أساساً لمهنته ، وهي مادة التربية والتثقيف المتنوع التي يجب أن يشعر معها بالتميز والعزة ، وأنه اختار الأفضل ديناً ودنيا .
4- عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهتجاه الناشئة الذين أتيحت له فرصة توجيههم وتربيتهم ودعوتهم وإصلاحهم بإذن الله ، وهذا يتطلب استشعار الأمانة ، وضرورة بذل كل الجهد والوسع لإنتاج لبنات طيبة يصلح الله بها في المجتمع .
وأزف لكل مدرس ، وخاصة مدرسي مادة التربية الإسلامية هذه البشرى التي وردت على لسان المصطفى r ، حيث قال : ( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علّمه ونشره ، وولداً صالحاً تركه ، أو مصحفاً ورثه ، أو مسجداً بناه ، أو بيتاً لابن السبيل بناه ، أو نهراً أجراه ، أو صدقة جارية أخرجها من ماله في صحته وحياته ، تلحقه من بعد موته )(رواه ابن ماجة ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ) .
وتأمل قوله ( علماً علمه ونشره) .. فالمعلم على هذه الثغرة .. فليعمل بكل جهده .. فإنها فرصة لا تعوض .. وهنيئاً لمن اغتنمها ..