بسم الله الرحمن الرحيم
مُهَجَّرُون .. ولكن إلى متى ؟!!
إعداد / عبد الناصر محمد مغنم
***********
أمام الفواجع المتتالية ، والهجمات الوحشية ، والمجازر البشعة التي عصفت بالشعب الفلسطيني سنة 1948م على أيدي العصابات اليهودية ، وجد أهل المدن والقرى الفلسطينية المنكوبة أنفسهم أمام خيار مر لا بد منه ، ولا محيد عنه .. وهو خيار الهجرة والتخلي عن الأرض والأملاك للغاصبين المدججين مؤقتاً على أمل العودة السريعة بعد التحرير على أيدي الجيوش العربية .. إذ الخيار الآخر الذي لا ثالث له كان التعرض للإبادة والمجازر المرعبة التي كانت ستطال الأحياء صغاراً وكباراً ، شيوخاً وأطفالاً، رجالاً ونساءً .. ودونما رحمة !! خاصة بعد شيوع أخبار المجازر وتناقلها عبر الألسنة المرتجفة ..
توالت بعدها قوافل المهاجرين في رحلة عناء ممتدة ، ومسيرة بحث مضنية عن ملجأ آمن ، وموطنٍ قريبٍ ، يمكنُ للمهجّرين فيه أن يستعيدوا أنفاسهم ، ويتهيأوا للعودة إلى الوطن من جديد .. مضوا مع التيه تقودهم أقدامهم العارية بعيداً عن الأرض التي جبلت بعرق الجبين ، وسكن حبها سويداء القلب ، فكانت آثار الغربة والعذاب تعانق الغبار والدموع على الجباه المنكسة في مسيرة الهجرة والنزوح الجماعي الصامتة التي كانت أشبه ما تكون بالجنازة الكبرى .. ولكن المُشيع فيها لم يكن رجلاً عزيزاً أو امرأة .. بل كان الأغلى والأعز .. إنه الوطن .. !!
ربما كان من أهم العوامل التي أدت إلى هذه الهجرة البائسة ما يلي :
- العنف الوحشي الذي صاحبه حملة إعلامية مركزة وذلك بتهويل المجازر البشعة التي ارتكبت بحق عدد من أهالي المدن والقرى الفلسطينية ، مثل مجزرة دير ياسين ، وكفر قاسم، ومسجد اللد ، وقبية ، وغيرها .
- التخاذل والتفرق العربي ، وعجز الجيوش العربية عن مواجهة الاحتلال ، أو وضع خطة عسكرية محكمة للتصدي للعصابات اليهودية المنظمة المدعومة بكافة أنواع الأسلحة .
- قلة السلاح وندرته بيد أبناء الشعب الفلسطيني ، مما أفقده القدرة على الدفاع عن نفسه، ورد العدوان عن أرضه .
- الأمل في العودة إلى الديار سريعاً بعد وصول المدد والسلاح ، وشن هجمات مضادة لدحر جيوش الاحتلال .
لم يكن ترك الوطن شيئاً هيناً تم ببساطة وسهولة دون بذل المهج والتضحية بالغالي والنفيس كما يتصور البعض .. بل إن آلافاً من الشباب الفلسطيني قدموا أنفسهم رخيصة فداءً للدين والأهل والوطن ، وعرقلوا بجهادهم تقدم اليهود المحتلين ، وأفشلوا كثيراً من خططهم ، وأخروا تنفيذ مهمات عدة بالرغم من الإعداد المسبق الممتد عبر سنين خلت ، والتخطيط الدقيق الذي استغرق وقتاً ليس بالقليل ، إضافة إلى الدعم والمساندة من جهات دولية ضمنت لهم تحقيق ما خططوا له ، وهو إقامة دولة لهم على أرض فلسطين ..
بدأ مسلسل الشتات الفلسطيني عندما أعلن ديفيد بن غوريون قيام الدولة اليهودية فوق أرض فلسطين سنة 1948م ، وهي السنة التي شرعت فيها العصابات الصهيونية بنشاط عسكري كثيف لتغيير ديمغرافية مناطق كثيرة في الوطن السليب ، كان يطمع اليهود في السيطرة عليها ، وتهجير سكانها لإحلال مواطنيهم فيها . وطبقاً لإحصاءات الأمم المتحدة فإن 940 ألف فلسطيني شردوا من ديارهم خلال الحرب، ولم يتوقف هذا النزيف رغم توقف أعمال القتال ، حيث أشارت إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في 30 حزيران / يونيو 1966 إلى أن 1.713.647 فلسطيني غادروا الأراضي المحتلة عام 1948 بصورة دائمة أو مؤقتة . وكانت قوات الاحتلال قد عمدت إلى تفريغ الكثير من المدن والقرى الفلسطينية من أهلها خلال الفترة الممتدة ما بين 1948 - 1966 ، وذلك بطرق شتى ، من أهمها الترويع بارتكاب بعض الجرائم الوحشية والقصف الجوي والمدفعي، إضافة إلى المضايقات المختلفة .
هذا وانضم إلى قوافل المهجّرين قسم آخر سموا بالنازحين ، وهم أولئك الذين اضطروا لمغادرة وطنهم اثر عدوان عام 1967، وتقدر إحصاءات فلسطينية عددهم عقب الحرب بنحو 200 ألف شخص .
ولابد من الإشارة إلى أن "الأنروا" تعرف اللاجئ بأنه "الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته المعتاد لمدة حدها الأدنى سنتان على الأقل قبل الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1948، وإنه نتيجة لهذه الحرب فقد بيته ومصادر رزقه وترك بلاده" ، أما تعريف النازح الفلسطيني فهو : "كل فلسطيني غادر أو شرد عن أرضه (أو منع من العودة إليها) بسبب الحرب المباشرة في حزيران 1967 (أو ذيولها اللاحقة من أوامر عسكرية وإدارية لسلطات الاحتلال) أو الذين منحوا تصاريح للمغادرة إلى شرق الأردن أو غيرها من الأقطار على أمل أن يعودوا ولكن التعقيدات الإسرائيلية حالت دون ذلك".
مخيمات البؤس والمعاناة :
استقر المهجّرون من أبناء الشعب الفلسطيني في مخيمات بائسة ، عبارة عن خيام لا تقي في الشتاء برداً ، ولا تدفع في الصيف حراً ، وسكنها المهجرون مرغمين أملاً في أن لا يطول المقام فيها ، ورجاء مغادرتها والعودة إلى البلاد في أقرب وقت ممكن .. ولكن الأمر جاء خلاف التوقعات ، وتلاشت بوارق الأمل ، فطالت الغيبة ، وامتدت المعاناة ، لتتحول المخيمات إلى موطن دائم ، يعيش فيه الفلسطينيون حياة ضنك مليئة بالبؤس والشقاء ..
يعيش في هذه الأيام نحو ثلثي الشعب الفلسطيني في الشتات، ويتجاوز عدد المهجّرين الفلسطينيين في ساحات الشتات المختلفة 6 ملايين نسمة، ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية شاملة لهم إلا أن "الانروا" حتى منتصف عام 1997 تشير إلى وجود 2.128.996 نسمة مسجلين كلاجئين ونازحين يستفيدون من خدمات الوكالة الدولية منهم 1.413.000 نسمة في الأردن و 356 ألفاً في لبنان و356 ألف نسمة في سوريا، وهناك أضعافهم لا يستفيدون من خدمات الوكالة.
مخيمات وتجمعات فلسطينيي الشتات :
نستطيع أن نقول إنه يتركز وجود الفلسطينيين المهجّرين من وطنهم في الشتات في خمس مناطق في العالم هي كما يلي :
1- الأردن.
2- لبنان.
3- سوريا.
4- الخليج العربي.
5- أمريكا وأوروبا (الغرب).
1- في الأردن :
يعيش في الأردن حسب وثائق وكالة الغوث (1997) نحو 1.413.252 مهجّر، غير أن تعداد الفلسطينيين الذين حصلوا على الجنسية الأردنية ويتمتعون بكافة حقوق المواطنة في الأردن يقترب من ضعف هذا الرقم أي 2.8 مليون شخص. مع الأخذ في الاعتبار خصوصية الحالة الأردنية وتعذر الحصول على أرقام محددة للفلسطينيين حملة الجنسيات المختلفة فإن معظم الإحصاءات الصادرة تشير إلى أعداد أقل من الأرقام الحقيقية .
معظم الأرقام المدرجة قد تكون مسيسة وغير دقيقة لعدم الإحاطة والشمولية فمثلاً عدد الفلسطينيين في مخيم جرش بالأردن يقدر ب 30 الف نسمة وليس 12.795نسمة فقط ، وهو الإحصاء الحكومي المعتمد .
هذا وتقطن أغلبية المهجرين الفلسطينيين في مخيمات مكتظة ، وذلك بحكم قرب الموقع والتعايش القديم ، والصلة القوية ، ويتوزعون على عشرة مخيمات على النحو التالي :
ا- مخيم الحسين (عمان) 28.001 نسمة.
ب- مخيم البقعة بالقرب من صويلح 72.972 نسمة.
ج- مخيم الوحدات (عمان) 43.659 نسمة.
د- مخيم الطالبية 2.810 نسمة.
هـ- الزرقاء 15.254 نسمة.
و- مخيم حطين - شنلر سابقاً - ( الرصيفة ) 35.991 نسمة.
ز- مخيم إربد 20.781 نسمة.
ح- مخيم الحصن (إربد) 17.247 نسمة.
ط- مخيم جرش 12.795 نسمة.
ي- مخيم سوف 13.260 نسمة.
وهناك بعض المخيمات الصغيرة الأخرى مثل : المحطة، السخنة، النصر.
ويتمتع المُهجّرون في الأردن منذ العام 1952 بحقوق المواطنة الأردنية، باستثناء أهالي قطاع غزة الذين يبلغ عددهم نحو 90 ألفا ، حيث يعيش 75% منهم في أوضاع شديدة البؤس، وهناك 5% من الأثرياء يعملون في المجالات التجارية والإنشائية والزراعية.
2- لبنان :
تأتي لبنان في المقام الثاني بعد الأردن بالنسبة لعدد المهجّرين الفلسطينيين ، حيث يعيش فيها نحو 359.005 نسمة يتوزعون على 12 مخيماً ، وتعد عمليات تجنيس اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قليلة وهامشية إذا ما قورنت بما جرى في الأردن.
ويتوزع الفلسطينيون في لبنان على النحو التالي :
ا- مار إلياس 1.541 نسمة.
ب- برج البراجنة 16.506 نسمة.
ج- ضبية 13.096 نسمة.
د- شاتيلا 9.585 نسمة.
هـ- عين الحلوة 39.588 نسمة.
و- المية مية 11.314 نسمة.
ز- البص 8.409 نسمة.
ح- الرشيدية 22.613 نسمة.
ط- برج الشمالي 16.526 نسمة.
ي- نهر البارد 25.131 نسمة.
ك- البداوي 14.015 نسمة.
ل- ويفل 6.691 نسمة.
م- خارج المخيمات 163.313 نسمة.
وبسبب التنوع الطائفي والديني عانى الفلسطينيون في لبنان من الحساسية البالغة بين الطوائف ، كونهم من أهل السنة ، مما حرمهم من حقوق كثيرة توفر أبسط احتياجات الحياة المعقولة، ويمنع الفلسطينيون من العمل في أكثر من 70 مهنة، كما يتعرضون لمضايقات كثيرة لإرغامهم على الهجرة، وقد انعكست تجربة العمل الفدائي الفلسطيني على اللاجئين الذين تنفسوا الصعداء خلال الفترة ما بين 1970- 1982م قبل أن يدفعوا ثمن أخطاء المنظمة من أمنهم ومعيشتهم ، حيث تعرضت المخيمات لحملات عسكرية جامحة استهدفت إخماد صوتهم ، وكبت أنفاسهم، وتحويلهم إلى مجرد كائنات حية معزولة في ما هو شبيه بحظائر الحيوانات التي تربى للذبح .
3- سوريا :
يقدر عدد المهجّرين الفلسطينيين الذين استقروا في سوريا حسب إحصاءات وكالة الغوث (الانروا) بنحو 356.739 نسمة يتوزعون على النحو التالي :
1- خان الشيخ 14.59نسمة.
2- سبينه 14.198 نسمة.
3- قبر الست 10.992 نسمة.
4- جرمانا 9.117 نسمة.
5- النيرب 16.053 نسمة.
6- حمص 12.782 نسمة.
7- مخيم اليرموك 26.165 نسمة.
8- حماة 6.786 نسمة.
9- درعا 5.484 نسمة.
10- درعا الطوارئ 5.087 نسمة.
11- خارج المخيمات 252.728 نسمة.
ويلاحظ أن سوريا لم تعرض على الفلسطينيين جنسيتها، غير أنها أتاحت لهم الاندماج بشكل عام في المجتمع السوري، ويتمتع الفلسطيني في سوريا بكافة الحقوق تقريباً باستثناء الترشيح والانتخاب مع قيود معينة على شراء الأراضي.
4- الخليج العربي :
كان العنصر الهام الذي جذب أعداداً كبيرة من الفلسطينيين لدول الخليج هو توفر العمل ، وانتعاش الاقتصاد ، مما دفع ذوي الخبرات العلمية والفنية للانتقال للعمل في دول الخليج ، وقد تطور الأمر لتصبح دول الخليج مناطق استقرار للعائلات الفلسطينية ، غير أن غزو العراق للكويت وحرب 1990م أثرت بشكل كبير على استقرار الفلسطينيين في دول الخليج وخاصة في الكويت ، حيث تقلص العدد من 400 ألف ليصل إلى نحو 37 ألف فقط .
ويعيش معظم هؤلاء ضمن حدود الطبقة الوسطى بسبب ارتفاع دخل الفرد عموماً في هذه الدول، غير أن التعديلات شبه الجذرية التي شهدتها قوانين الهجرة والإقامة خلال العقدين الأخيرين تسبب في إحداث تغييرات جوهرية على البنية الاجتماعية وحتى الثقافية لدى أبناء الجالية الفلسطينية المستقرة في بلدان الخليج العربية، ويبلغ تعداد فلسطيني الخليج 418.037 نسمة موزعون كالآتي :
ا- السعودية 274.762 نسمة.
ب- الكويت 37.696 نسمة.
ج- باقي دول الخليج 105.578 نسمة.
5 - الدول الأوروبية وأمريكا :
هرباً من الضغوط النفسية المتنوعة ، وسعياً وراء حياة حرة كريمة ، هاجر كثيرٌ من الفلسطينيين للدول الغربية ظناً منهم أنهم سيجدون الملاذ الآمن ، والمأوى المريح ، إضافة لمتطلبات الكرامة الإنسانية التي روجت لها وسائل الإعلام الغربية ، والتي افتقدها هؤلاء في الأرض المحتلة أو بعض الدول العربية ، نتيجة لظروف وأحوال خاصة فرضتها عليهم قوانين قاسية ، تولدت مع التغيرات الديمغرافية والسياسية والاقتصادية في المحيط العربي .. !!
وبناءً على هذا بلغت أعداد الفلسطينيين في الولايات المتحدة عام 1995، 224.241 وفي أوروبا 244.722 أي ما مجموعه 468.963.
مر الفلسطينيون في مخيمات الشتات بمحطات بؤس كثيرة ، وواجهوا عقبات كأداء ، وبعد جلد وصبر لا تكاد تتحمله الجبال تكيف المهجرون مع أقسى الظروف وأشدها عنتاً ، ومن بين المآسي والنكبات والمشاكل التي اعترضتهم على سبيل المثال لا الحصر :
- فتن الاقتتال الأخوي التي عمل على تأجيجها عملاء لليهود في الدول العربية مثل الأردن ولبنان ، والتي تسببت في مجازر بشعة يندى لها الجبين .
- طرد الفلسطينيين وترحيلهم لأسباب فرضتها ظروف سياسية مثلما حصل في الكويت، أوفرض الإقامة الجبرية عليهم في مخيمات بائسة لا تتوفر فيها أدنى متطلبات الحياة ، وذلك على الحدود بعد رفض الدول الأخرى استقبالهم وإيواءهم بحجج كثيرة واهية لا يتقبلها العقل والمنطق مثلما حصل في ليبيا .
- معاناة كثير من الفلسطينيين الذين غادروا الأرض المحتلة ، ولكنهم جوبهوا برفض الدول العربية لاستقبالهم ، ورفض اليهود لعودتهم ، حيث انتهى بهم القرار في مخيم كندا على الحدود الفلسطينية المصرية .
- صعوبة التنقل من دولة لأخرى ، وهي المشكلة التي عانى منها ولا يزال أصحاب الوثائق الفلسطينية ، حيث يجابهون باستمرار بالرفض والتأجيل عند طلب الحصول على تأشيرة زيارة أو مرور أو عمل في دولة ما .
- صدور قوانين خاصة مختلفة من بلد إلى آخر ، تضيق عليهم في معيشتهم واقتصادهم ، وتمنعهم من ممارسة حق التجارة والاستثمار وتعليم الأبناء . فعلى سبيل المثال لا الحصر يُحرم الفلسطينيون من العمل في 70 مهنة في لبنان ، كما يمنع الفلسطينيون الذين يحملون جوازات سفر مؤقتة (لمدة سنتين) في الأردن من التملك والاستثمار وتعليم الأبناء وهكذا .
هذا وبالرغم من التطورات السياسية على الساحة الفلسطينية في إطار ما يُسمى بعملية السلام ، وما يتعلق بها من اتفاقيات تمت في مدريد وأوسلو وواي بلانتيشن ، فإن وضع فلسطينيي المخيمات والشتات لم يطرأ عليه أي تغيير ، وبالرغم من مرور خمس سنوات على تسلم السلطة الفلسطينية للإدارة المدنية والأمنية في غزة وأجزاء من الضفة الغربية ، فإن قضية المهجرين أو ما يُسمى (باللاجئين ) ظلت تراوح مكانها ، وظل ملفها طي النسيان أو الإهمال ، وبالمقابل عمّ شعورٌ بين أبناء المخيمات في الداخل والخارج باليأس من حل تجره اتفاقيات هزيلة غير عادلة ، ولا تبشر ببوارق أمل بعودة أصحاب الأرض المغتصبة منذ عام 1948م إلى أرضهم ووطنهم الذي سيبقى حلمهم ، وسيورثونه للأجيال من بعدهم .
وهكذا تظل المعاناة مستمرة ، وتظل المخيمات شاهداً على حياة هذه القضية التي لا يمكن أن تنتهي بفصلٍ هزيل من فصول مسرحية السلام ، وسيظل أبناء الفلسطينيين في كل مكان في عالم الشتات يحملون حقاً جامحاً يتعاظم في صدورهم ، وهو المطالبة بالعودة لأرضهم للعيش في ظل حكومة فلسطينية من أبنائهم وإخوانهم تحمل همهم ، وتسعى لتحقيق طموحاتهم ، وتحرس أمنهم ، وتحمي ذمارهم ، وتدافع عن دينهم وشرفهم ووطنهم ، لينعموا بأمن حقيقي لطالما تمنته قلوبهم ، ورنت إلى تحقيقه نفوسهم !!
إن الغالبية العظمى من الفلسطينيين تعيش في الشتات ، وتكتوي بنار الغربة والبعد عن أرض الوطن ، وتحلم بالعودة ولو بعد حين .. وبالتالي فإنه من غير الممكن تجاوز هؤلاء ، أو إهمالهم وتناسي وجودهم ، كما لا يمكن أن تُحل القضية بدونهم ، فضلاً عن كون الحلول المطروحة لطي ملفهم ، مستحيلة لن يقبل بها جل الفلسطينيين في الشتات ، ولن تجد أرضاً خصبة لدى الذين عاشوا دهراً في مخيمات البؤس ، متحملين الفقر والتشريد وهم الغربة والبعد ، وهم ينتظرون حلاً يحملهم على العودة الكريمة الحرة المشرفة لبلادهم !!
الفلسطينيون في الشتات ...
مُهَجَّرُون .. ولكن إلى متى ؟!!
إعداد / عبد الناصر محمد مغنم
***********
أمام الفواجع المتتالية ، والهجمات الوحشية ، والمجازر البشعة التي عصفت بالشعب الفلسطيني سنة 1948م على أيدي العصابات اليهودية ، وجد أهل المدن والقرى الفلسطينية المنكوبة أنفسهم أمام خيار مر لا بد منه ، ولا محيد عنه .. وهو خيار الهجرة والتخلي عن الأرض والأملاك للغاصبين المدججين مؤقتاً على أمل العودة السريعة بعد التحرير على أيدي الجيوش العربية .. إذ الخيار الآخر الذي لا ثالث له كان التعرض للإبادة والمجازر المرعبة التي كانت ستطال الأحياء صغاراً وكباراً ، شيوخاً وأطفالاً، رجالاً ونساءً .. ودونما رحمة !! خاصة بعد شيوع أخبار المجازر وتناقلها عبر الألسنة المرتجفة ..
توالت بعدها قوافل المهاجرين في رحلة عناء ممتدة ، ومسيرة بحث مضنية عن ملجأ آمن ، وموطنٍ قريبٍ ، يمكنُ للمهجّرين فيه أن يستعيدوا أنفاسهم ، ويتهيأوا للعودة إلى الوطن من جديد .. مضوا مع التيه تقودهم أقدامهم العارية بعيداً عن الأرض التي جبلت بعرق الجبين ، وسكن حبها سويداء القلب ، فكانت آثار الغربة والعذاب تعانق الغبار والدموع على الجباه المنكسة في مسيرة الهجرة والنزوح الجماعي الصامتة التي كانت أشبه ما تكون بالجنازة الكبرى .. ولكن المُشيع فيها لم يكن رجلاً عزيزاً أو امرأة .. بل كان الأغلى والأعز .. إنه الوطن .. !!
ربما كان من أهم العوامل التي أدت إلى هذه الهجرة البائسة ما يلي :
- العنف الوحشي الذي صاحبه حملة إعلامية مركزة وذلك بتهويل المجازر البشعة التي ارتكبت بحق عدد من أهالي المدن والقرى الفلسطينية ، مثل مجزرة دير ياسين ، وكفر قاسم، ومسجد اللد ، وقبية ، وغيرها .
- التخاذل والتفرق العربي ، وعجز الجيوش العربية عن مواجهة الاحتلال ، أو وضع خطة عسكرية محكمة للتصدي للعصابات اليهودية المنظمة المدعومة بكافة أنواع الأسلحة .
- قلة السلاح وندرته بيد أبناء الشعب الفلسطيني ، مما أفقده القدرة على الدفاع عن نفسه، ورد العدوان عن أرضه .
- الأمل في العودة إلى الديار سريعاً بعد وصول المدد والسلاح ، وشن هجمات مضادة لدحر جيوش الاحتلال .
لم يكن ترك الوطن شيئاً هيناً تم ببساطة وسهولة دون بذل المهج والتضحية بالغالي والنفيس كما يتصور البعض .. بل إن آلافاً من الشباب الفلسطيني قدموا أنفسهم رخيصة فداءً للدين والأهل والوطن ، وعرقلوا بجهادهم تقدم اليهود المحتلين ، وأفشلوا كثيراً من خططهم ، وأخروا تنفيذ مهمات عدة بالرغم من الإعداد المسبق الممتد عبر سنين خلت ، والتخطيط الدقيق الذي استغرق وقتاً ليس بالقليل ، إضافة إلى الدعم والمساندة من جهات دولية ضمنت لهم تحقيق ما خططوا له ، وهو إقامة دولة لهم على أرض فلسطين ..
بدأ مسلسل الشتات الفلسطيني عندما أعلن ديفيد بن غوريون قيام الدولة اليهودية فوق أرض فلسطين سنة 1948م ، وهي السنة التي شرعت فيها العصابات الصهيونية بنشاط عسكري كثيف لتغيير ديمغرافية مناطق كثيرة في الوطن السليب ، كان يطمع اليهود في السيطرة عليها ، وتهجير سكانها لإحلال مواطنيهم فيها . وطبقاً لإحصاءات الأمم المتحدة فإن 940 ألف فلسطيني شردوا من ديارهم خلال الحرب، ولم يتوقف هذا النزيف رغم توقف أعمال القتال ، حيث أشارت إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في 30 حزيران / يونيو 1966 إلى أن 1.713.647 فلسطيني غادروا الأراضي المحتلة عام 1948 بصورة دائمة أو مؤقتة . وكانت قوات الاحتلال قد عمدت إلى تفريغ الكثير من المدن والقرى الفلسطينية من أهلها خلال الفترة الممتدة ما بين 1948 - 1966 ، وذلك بطرق شتى ، من أهمها الترويع بارتكاب بعض الجرائم الوحشية والقصف الجوي والمدفعي، إضافة إلى المضايقات المختلفة .
هذا وانضم إلى قوافل المهجّرين قسم آخر سموا بالنازحين ، وهم أولئك الذين اضطروا لمغادرة وطنهم اثر عدوان عام 1967، وتقدر إحصاءات فلسطينية عددهم عقب الحرب بنحو 200 ألف شخص .
ولابد من الإشارة إلى أن "الأنروا" تعرف اللاجئ بأنه "الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته المعتاد لمدة حدها الأدنى سنتان على الأقل قبل الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1948، وإنه نتيجة لهذه الحرب فقد بيته ومصادر رزقه وترك بلاده" ، أما تعريف النازح الفلسطيني فهو : "كل فلسطيني غادر أو شرد عن أرضه (أو منع من العودة إليها) بسبب الحرب المباشرة في حزيران 1967 (أو ذيولها اللاحقة من أوامر عسكرية وإدارية لسلطات الاحتلال) أو الذين منحوا تصاريح للمغادرة إلى شرق الأردن أو غيرها من الأقطار على أمل أن يعودوا ولكن التعقيدات الإسرائيلية حالت دون ذلك".
مخيمات البؤس والمعاناة :
استقر المهجّرون من أبناء الشعب الفلسطيني في مخيمات بائسة ، عبارة عن خيام لا تقي في الشتاء برداً ، ولا تدفع في الصيف حراً ، وسكنها المهجرون مرغمين أملاً في أن لا يطول المقام فيها ، ورجاء مغادرتها والعودة إلى البلاد في أقرب وقت ممكن .. ولكن الأمر جاء خلاف التوقعات ، وتلاشت بوارق الأمل ، فطالت الغيبة ، وامتدت المعاناة ، لتتحول المخيمات إلى موطن دائم ، يعيش فيه الفلسطينيون حياة ضنك مليئة بالبؤس والشقاء ..
يعيش في هذه الأيام نحو ثلثي الشعب الفلسطيني في الشتات، ويتجاوز عدد المهجّرين الفلسطينيين في ساحات الشتات المختلفة 6 ملايين نسمة، ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية شاملة لهم إلا أن "الانروا" حتى منتصف عام 1997 تشير إلى وجود 2.128.996 نسمة مسجلين كلاجئين ونازحين يستفيدون من خدمات الوكالة الدولية منهم 1.413.000 نسمة في الأردن و 356 ألفاً في لبنان و356 ألف نسمة في سوريا، وهناك أضعافهم لا يستفيدون من خدمات الوكالة.
مخيمات وتجمعات فلسطينيي الشتات :
نستطيع أن نقول إنه يتركز وجود الفلسطينيين المهجّرين من وطنهم في الشتات في خمس مناطق في العالم هي كما يلي :
1- الأردن.
2- لبنان.
3- سوريا.
4- الخليج العربي.
5- أمريكا وأوروبا (الغرب).
1- في الأردن :
يعيش في الأردن حسب وثائق وكالة الغوث (1997) نحو 1.413.252 مهجّر، غير أن تعداد الفلسطينيين الذين حصلوا على الجنسية الأردنية ويتمتعون بكافة حقوق المواطنة في الأردن يقترب من ضعف هذا الرقم أي 2.8 مليون شخص. مع الأخذ في الاعتبار خصوصية الحالة الأردنية وتعذر الحصول على أرقام محددة للفلسطينيين حملة الجنسيات المختلفة فإن معظم الإحصاءات الصادرة تشير إلى أعداد أقل من الأرقام الحقيقية .
معظم الأرقام المدرجة قد تكون مسيسة وغير دقيقة لعدم الإحاطة والشمولية فمثلاً عدد الفلسطينيين في مخيم جرش بالأردن يقدر ب 30 الف نسمة وليس 12.795نسمة فقط ، وهو الإحصاء الحكومي المعتمد .
هذا وتقطن أغلبية المهجرين الفلسطينيين في مخيمات مكتظة ، وذلك بحكم قرب الموقع والتعايش القديم ، والصلة القوية ، ويتوزعون على عشرة مخيمات على النحو التالي :
ا- مخيم الحسين (عمان) 28.001 نسمة.
ب- مخيم البقعة بالقرب من صويلح 72.972 نسمة.
ج- مخيم الوحدات (عمان) 43.659 نسمة.
د- مخيم الطالبية 2.810 نسمة.
هـ- الزرقاء 15.254 نسمة.
و- مخيم حطين - شنلر سابقاً - ( الرصيفة ) 35.991 نسمة.
ز- مخيم إربد 20.781 نسمة.
ح- مخيم الحصن (إربد) 17.247 نسمة.
ط- مخيم جرش 12.795 نسمة.
ي- مخيم سوف 13.260 نسمة.
وهناك بعض المخيمات الصغيرة الأخرى مثل : المحطة، السخنة، النصر.
ويتمتع المُهجّرون في الأردن منذ العام 1952 بحقوق المواطنة الأردنية، باستثناء أهالي قطاع غزة الذين يبلغ عددهم نحو 90 ألفا ، حيث يعيش 75% منهم في أوضاع شديدة البؤس، وهناك 5% من الأثرياء يعملون في المجالات التجارية والإنشائية والزراعية.
2- لبنان :
تأتي لبنان في المقام الثاني بعد الأردن بالنسبة لعدد المهجّرين الفلسطينيين ، حيث يعيش فيها نحو 359.005 نسمة يتوزعون على 12 مخيماً ، وتعد عمليات تجنيس اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قليلة وهامشية إذا ما قورنت بما جرى في الأردن.
ويتوزع الفلسطينيون في لبنان على النحو التالي :
ا- مار إلياس 1.541 نسمة.
ب- برج البراجنة 16.506 نسمة.
ج- ضبية 13.096 نسمة.
د- شاتيلا 9.585 نسمة.
هـ- عين الحلوة 39.588 نسمة.
و- المية مية 11.314 نسمة.
ز- البص 8.409 نسمة.
ح- الرشيدية 22.613 نسمة.
ط- برج الشمالي 16.526 نسمة.
ي- نهر البارد 25.131 نسمة.
ك- البداوي 14.015 نسمة.
ل- ويفل 6.691 نسمة.
م- خارج المخيمات 163.313 نسمة.
وبسبب التنوع الطائفي والديني عانى الفلسطينيون في لبنان من الحساسية البالغة بين الطوائف ، كونهم من أهل السنة ، مما حرمهم من حقوق كثيرة توفر أبسط احتياجات الحياة المعقولة، ويمنع الفلسطينيون من العمل في أكثر من 70 مهنة، كما يتعرضون لمضايقات كثيرة لإرغامهم على الهجرة، وقد انعكست تجربة العمل الفدائي الفلسطيني على اللاجئين الذين تنفسوا الصعداء خلال الفترة ما بين 1970- 1982م قبل أن يدفعوا ثمن أخطاء المنظمة من أمنهم ومعيشتهم ، حيث تعرضت المخيمات لحملات عسكرية جامحة استهدفت إخماد صوتهم ، وكبت أنفاسهم، وتحويلهم إلى مجرد كائنات حية معزولة في ما هو شبيه بحظائر الحيوانات التي تربى للذبح .
3- سوريا :
يقدر عدد المهجّرين الفلسطينيين الذين استقروا في سوريا حسب إحصاءات وكالة الغوث (الانروا) بنحو 356.739 نسمة يتوزعون على النحو التالي :
1- خان الشيخ 14.59نسمة.
2- سبينه 14.198 نسمة.
3- قبر الست 10.992 نسمة.
4- جرمانا 9.117 نسمة.
5- النيرب 16.053 نسمة.
6- حمص 12.782 نسمة.
7- مخيم اليرموك 26.165 نسمة.
8- حماة 6.786 نسمة.
9- درعا 5.484 نسمة.
10- درعا الطوارئ 5.087 نسمة.
11- خارج المخيمات 252.728 نسمة.
ويلاحظ أن سوريا لم تعرض على الفلسطينيين جنسيتها، غير أنها أتاحت لهم الاندماج بشكل عام في المجتمع السوري، ويتمتع الفلسطيني في سوريا بكافة الحقوق تقريباً باستثناء الترشيح والانتخاب مع قيود معينة على شراء الأراضي.
4- الخليج العربي :
كان العنصر الهام الذي جذب أعداداً كبيرة من الفلسطينيين لدول الخليج هو توفر العمل ، وانتعاش الاقتصاد ، مما دفع ذوي الخبرات العلمية والفنية للانتقال للعمل في دول الخليج ، وقد تطور الأمر لتصبح دول الخليج مناطق استقرار للعائلات الفلسطينية ، غير أن غزو العراق للكويت وحرب 1990م أثرت بشكل كبير على استقرار الفلسطينيين في دول الخليج وخاصة في الكويت ، حيث تقلص العدد من 400 ألف ليصل إلى نحو 37 ألف فقط .
ويعيش معظم هؤلاء ضمن حدود الطبقة الوسطى بسبب ارتفاع دخل الفرد عموماً في هذه الدول، غير أن التعديلات شبه الجذرية التي شهدتها قوانين الهجرة والإقامة خلال العقدين الأخيرين تسبب في إحداث تغييرات جوهرية على البنية الاجتماعية وحتى الثقافية لدى أبناء الجالية الفلسطينية المستقرة في بلدان الخليج العربية، ويبلغ تعداد فلسطيني الخليج 418.037 نسمة موزعون كالآتي :
ا- السعودية 274.762 نسمة.
ب- الكويت 37.696 نسمة.
ج- باقي دول الخليج 105.578 نسمة.
5 - الدول الأوروبية وأمريكا :
هرباً من الضغوط النفسية المتنوعة ، وسعياً وراء حياة حرة كريمة ، هاجر كثيرٌ من الفلسطينيين للدول الغربية ظناً منهم أنهم سيجدون الملاذ الآمن ، والمأوى المريح ، إضافة لمتطلبات الكرامة الإنسانية التي روجت لها وسائل الإعلام الغربية ، والتي افتقدها هؤلاء في الأرض المحتلة أو بعض الدول العربية ، نتيجة لظروف وأحوال خاصة فرضتها عليهم قوانين قاسية ، تولدت مع التغيرات الديمغرافية والسياسية والاقتصادية في المحيط العربي .. !!
وبناءً على هذا بلغت أعداد الفلسطينيين في الولايات المتحدة عام 1995، 224.241 وفي أوروبا 244.722 أي ما مجموعه 468.963.
مر الفلسطينيون في مخيمات الشتات بمحطات بؤس كثيرة ، وواجهوا عقبات كأداء ، وبعد جلد وصبر لا تكاد تتحمله الجبال تكيف المهجرون مع أقسى الظروف وأشدها عنتاً ، ومن بين المآسي والنكبات والمشاكل التي اعترضتهم على سبيل المثال لا الحصر :
- فتن الاقتتال الأخوي التي عمل على تأجيجها عملاء لليهود في الدول العربية مثل الأردن ولبنان ، والتي تسببت في مجازر بشعة يندى لها الجبين .
- طرد الفلسطينيين وترحيلهم لأسباب فرضتها ظروف سياسية مثلما حصل في الكويت، أوفرض الإقامة الجبرية عليهم في مخيمات بائسة لا تتوفر فيها أدنى متطلبات الحياة ، وذلك على الحدود بعد رفض الدول الأخرى استقبالهم وإيواءهم بحجج كثيرة واهية لا يتقبلها العقل والمنطق مثلما حصل في ليبيا .
- معاناة كثير من الفلسطينيين الذين غادروا الأرض المحتلة ، ولكنهم جوبهوا برفض الدول العربية لاستقبالهم ، ورفض اليهود لعودتهم ، حيث انتهى بهم القرار في مخيم كندا على الحدود الفلسطينية المصرية .
- صعوبة التنقل من دولة لأخرى ، وهي المشكلة التي عانى منها ولا يزال أصحاب الوثائق الفلسطينية ، حيث يجابهون باستمرار بالرفض والتأجيل عند طلب الحصول على تأشيرة زيارة أو مرور أو عمل في دولة ما .
- صدور قوانين خاصة مختلفة من بلد إلى آخر ، تضيق عليهم في معيشتهم واقتصادهم ، وتمنعهم من ممارسة حق التجارة والاستثمار وتعليم الأبناء . فعلى سبيل المثال لا الحصر يُحرم الفلسطينيون من العمل في 70 مهنة في لبنان ، كما يمنع الفلسطينيون الذين يحملون جوازات سفر مؤقتة (لمدة سنتين) في الأردن من التملك والاستثمار وتعليم الأبناء وهكذا .
هذا وبالرغم من التطورات السياسية على الساحة الفلسطينية في إطار ما يُسمى بعملية السلام ، وما يتعلق بها من اتفاقيات تمت في مدريد وأوسلو وواي بلانتيشن ، فإن وضع فلسطينيي المخيمات والشتات لم يطرأ عليه أي تغيير ، وبالرغم من مرور خمس سنوات على تسلم السلطة الفلسطينية للإدارة المدنية والأمنية في غزة وأجزاء من الضفة الغربية ، فإن قضية المهجرين أو ما يُسمى (باللاجئين ) ظلت تراوح مكانها ، وظل ملفها طي النسيان أو الإهمال ، وبالمقابل عمّ شعورٌ بين أبناء المخيمات في الداخل والخارج باليأس من حل تجره اتفاقيات هزيلة غير عادلة ، ولا تبشر ببوارق أمل بعودة أصحاب الأرض المغتصبة منذ عام 1948م إلى أرضهم ووطنهم الذي سيبقى حلمهم ، وسيورثونه للأجيال من بعدهم .
وهكذا تظل المعاناة مستمرة ، وتظل المخيمات شاهداً على حياة هذه القضية التي لا يمكن أن تنتهي بفصلٍ هزيل من فصول مسرحية السلام ، وسيظل أبناء الفلسطينيين في كل مكان في عالم الشتات يحملون حقاً جامحاً يتعاظم في صدورهم ، وهو المطالبة بالعودة لأرضهم للعيش في ظل حكومة فلسطينية من أبنائهم وإخوانهم تحمل همهم ، وتسعى لتحقيق طموحاتهم ، وتحرس أمنهم ، وتحمي ذمارهم ، وتدافع عن دينهم وشرفهم ووطنهم ، لينعموا بأمن حقيقي لطالما تمنته قلوبهم ، ورنت إلى تحقيقه نفوسهم !!
إن الغالبية العظمى من الفلسطينيين تعيش في الشتات ، وتكتوي بنار الغربة والبعد عن أرض الوطن ، وتحلم بالعودة ولو بعد حين .. وبالتالي فإنه من غير الممكن تجاوز هؤلاء ، أو إهمالهم وتناسي وجودهم ، كما لا يمكن أن تُحل القضية بدونهم ، فضلاً عن كون الحلول المطروحة لطي ملفهم ، مستحيلة لن يقبل بها جل الفلسطينيين في الشتات ، ولن تجد أرضاً خصبة لدى الذين عاشوا دهراً في مخيمات البؤس ، متحملين الفقر والتشريد وهم الغربة والبعد ، وهم ينتظرون حلاً يحملهم على العودة الكريمة الحرة المشرفة لبلادهم !!